ترغب بنشر مسار تعليمي؟ اضغط هنا

شهد العالم في السنوات الأخيرة عدة تحولات سياسية و اقتصادية و أيديولوجية و عسكرية. و برز وضع دولي جديد أثّر على العلاقات الدولية، و خصوصاً في طريقة معالجة مختلف المشاكل و القضايا المطروحة. كما أثر على تطبيق المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي، كمبد أ سيادة الدول و المساواة في السيادة و مبدأ حقوق الإنسان، و مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و غيرها من المبادئ. و تبعاً لهذه الوضعية تمَّ تشكل الخارطة العالمية مع بروز قطب سياسي و اقتصادي وحيد، ففقد العالم بذلك توازنه الاستراتيجي، و سيطرت على العلاقات الدولية النزعة الأحادية التي برزت بالخصوص في مجال أخذ القرار العالمي، و معالجة مختلف القضايا و المشاكل المطروحة في العالم، مما أدى إلى المساس بدور الأمم المتحدة، و بقية المنظمات الدولية الحكومية، و غير الحكومية التي تجمع منظمات حقوق الإنسان على اعتبار أن ما جرى في العراق و يجري في ليبيا كارثة إنسانية بكل المقاييس، من خلال التجاوزات التي ارتكبتها و ترتكبها الولايات المتحدة من خلال القفز على الشرعية الدولية و اختلاق مبررات غير واقعية لشن الحروب و العمليات العسكرية، و ما تشهده من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً من خلال معاهدات دولية تعدّ الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً في أغلبها.
تضمن كتاب السياسة عند أرسطو معظم أفكاره السياسية , فقد بنى فكره و تحليليه على النطاق المحدد لدولة المدينة . و قد وصف المواطن فيها مؤكداً ضرورة إيجاد توازن بين الحرية و السلطة في المدينة الدولة ، و عالج فكرة السيادة في الدولة و اقترب من مبدأ فصل السل طات مع تحليله الواقعي للحكومات القائمة, و توضيحه للقوانين التي تحكم الظواهر السياسية، و تعرضه للثورات كظاهرة عامة يمكن أن تتحقق في أيّ مجتمع و في أيّ نظام سياسي مع ضرورة التفرقة بين الثورة و المشاكل السياسية الصغيرة و الانتفاضات السياسية البسيطة التي تمرّ عَرضاً، و إعطائه مُرشداً لكيفية التغلب على إمكانية قيامها, مع تناوله لاتجاهات الحكومات المختلفة . و تجدر الإشارة إلى أن السياسة النظرية التي صاغتها عبقرية أرسطو مازالت إلى يومنا هذا تعاني من المشكلات نفسها التي عانتها من أول دورٍ من أدوارها.
إن الحق في التدخل أصبح يطرح بقوة في مقابل مبدأ عدم التدخل، هو و إن كان يحمل في بعض جوانبه اعتداء على السيادة الوطنية، ففي جوانبه الأخرى يمثل حماية لحقوق الأفراد من الممارسات القمعية للأنظمة الاستبدادية التي تتخفى وراء فكرة السيادة و مبدأ عدم التدخل، غير أن الإشكالية الأساسية هي استخدام الحماية الدولية لحقوق الإنسان لتحقيق أهداف سياسية، لأجل التدخل في الشؤون الداخلية و الخارجية لبعض الدول، و يبدو ذلك واضحاً في حالة الدول العربية، خاصة أن أوضاع حقوق الإنسان في هذه الدول تشكل منفذاً للنيل من سيادتها.
تشغل مفردة السيادة حيزاً واسعاً من مساحات البحث و النقاش و الجدل في أوساط البحث القانونية و السياسية و الفكرية و القضائية في شتى بقاع العالم ارتباطاً بالمتغيرات و التحولات الكبرى التي اجتاحت البشرية خلال العقدين الماضيين بحيث أفضت إلى بروز مفاهيم و م فردات جديدة من قبل النظام العالمي الجديد. و قد امتد هذا التغير ليصيب مبدأ السيادة و ما صاحب ذلك من تغيير مفهومها التقليدي إلى مفهوم معاصر يتكيف مع واقع النظام الدولي الجديد.
إن التذرع بمنع انتهاكات حقوق الإنسان أو وقفها وإنقاذ السكان المدنيين من خطر محدق، لتتدخل دولة أو مجموعة من الدول في الشؤون الداخلية لدولة أخرى دون رضاها، ليس جديداً؛ إذ ترجع الجذور الأولى لهذه الفكرة إلى عدة قرون خلت، وقد شهدنا في جميع الأزمنة محاولا ت لشرعنة التدخلات في الشؤون الداخلية للدول باسم حماية حقوق الأقليات، حماية الرعايا، حماية السكان وحقوق الإنسان، حماية المدنيين، وابتدعت لهذه الغاية على التوالي مفاهيم "الحرب العادلة"، "التدخل باسم الإنسانية"، "الحق في التدخل، واجب التدخل"، وأخرها مبدأ "مسؤولية الحماية"، الذي يهدف إلى حماية المدنيين من أكثر الجرائم الدولية انتهاكاً لحقوق الإنسان دون المساس بسيادة الدول، وتسمية هذه المفاهيم هي المتغيرة، أما من حيث الجوهر فهي تكاد تكون متشابهة إلى حد التطابق؛ لأنها تدور حول الغاية نفسها وهي إضفاء الصفة الأخلاقية، وإن أمكن القانونية، على التدخلات العسكرية في الدول الأخرى.
mircosoft-partner

هل ترغب بارسال اشعارات عن اخر التحديثات في شمرا-اكاديميا