يتناول البحث مجموعة من نصوص الطبيعة عند صوفيّة القرنين السادس و السابع الهجريّين، فيقف على رموزها و إحالاتها، من طيور و حيوانات و أمكنة، بهدف الكشف عن أحوال الصوفيّ و هو إزاء مفردات الطبيعة هذه -بوصفها تجلّيات لواجد الوجود- بين ميل إليها و شوق إلى ال
اتحاد بأديمها، و بين إعراض عنها و نفور من مادّيّتها، و كأنّه يحاول الارتحال منها إليها بها، فإمّا أن ينظر إليها بعين المحايث لها، المنتمي إليها، بفعل جمالها الذي هو –حقيقة- عائد إلى جمال مبدعها، و إمّا أن ينظر إليها بعين المفارق لها، الزاهد بها، إذ هو السالك في طريق المعرفة الإلهيّة، يسعى إلى الاتصال بالذات الخالقة، و العودة إلى الرحم الأولى، من خلال الالتفاف على القيمة الزمنيّة، و تحقيق المستقبل بإعادة إنتاج الماضي في كلّ آن.
يسلط هذا البحث الضوء على قصيدة عبد الغني النابلسي العينية بوصفها معارضة لقصيدتين معاً؛ هما عينية عبد الكريم الجيلي المشهورة، و عينية ابن الفارض، و ذلك لرصد التداخل بينها من خلال استقراء الحقول الدلالية التي تردّها إلى صيغة عقدية مشتركة من جانب، و تتب
ُّع مجمل الأساليب الفنية الصياغية التي تربطها بأشعار الآخرين من جانب آخر.
و قد توصّل البحث إلى أنّ صوت النابلسي تداخل مع صوت الشاعر السابق عليه، ليخفت صوت الشاعر المتأخّر أمام الشاعر القديم. و كأنّ سمة التفرّد في عصره هي في السبق لمن يحتذي حذو الأقدمين، ليكون أكثرهم قدرة على مجاراة السابقين أكثرهم تميّزاً.
يعكف البحث المزمع إنجازه على تناول نصوصٍ من مقطّعات الشعر في تجربة الهامش الأمويّة (الصعاليك)، بوصف المقطّعات التشكيل الشعري المهيمن على إنتاج الشعر في تلك التجربة، و يتغيّا الوقوف على الدلالات التي يُنبئُ بها تحرّرُ بنيةِ تلك المقطّعات من المشاهد ال
افتتاحيّة، أو ضمورُها، فهذا التحرّر لم يكن شكلياً و حسب، بل راح ينمُّ على تحرّر، بمقدار أو آخر، من الثقافة الجمعيّة التي يرسخها إثباتُ الاستهلاليات بصورة عامة، فحديث الطلل، و النسيب، و الظعائن، دوالُّ و رموز يعبر بها أصحابها من خلال التجربة الفردية عن القضايا الوجدانية للجماعة.
و عليه؛ فإنَّ التوجّه الجديد الذي اضطلعت به مقطّعات الشعر في تجربة الهامش الأمويّة، كان ردّاً فنيّاً و ثقافياً من روّاد تلك التجربة على ما كان، و أُريدَ له أن يتأبّد، فأرادوا انتزاع الحياة من قوالب التعبير المتجمّدة التي حكمها التقليدُ في القصيدة الموروثة، ليكون الشعر فعلاً من أفعال الحياة، ينطلق من لحظة الحاضر لا الماضي المرتبط بالذاكرة الجمعيّة، و المترسّخ في تلك الاستهلاليات. على أنّ ما بقي من آثار المشهد الافتتاحي في بعض مقطّعات تلك التجربة، هو صورة مما تبقّى بما كان من شأن الثقافة السائدة في المجتمع الأمويّ بصورة عامة.
يتناول البحث القيم النسقيّة في خطاب الكافوريّات، و ذلك بقراءة هذا الخطاب قراءةً ثقافيّةً، لنزع الحجب البلاغيّة التي تتستّر خلفها هذه القيم النسقيّة، بغية القبض عليها، و تسليط الضوء على مواطنها في نصّ الكافوريّات، و توضيح آليّات تخفّيها. و مناقشة كل م
ن النفاق و الشحاذة و الطمع، و مركزية الأنا و إلغاء الآخر، و العنصريّة بوصفها ثمار النسق الأبرز في خطاب الكافوريّات، و قيماً موظّفة في نصّ الكافوريّات بطريقةٍ تعكس ذهنيّةَ المتنبي القائمة على تراتبيّات تحتلّ فيها الأنا الموقع الأعلى، و تصدر أحكام قيمة على الآخر من موقعها المتعالي، و وفق محددات الأنا. و بالاستعانة بآليّات النقد الثقافيّ يعمل البحث على تعرية النسق المضمر بهدف محاكمته، و فضح أنماطه و معاييره، و كسر قوالبه الجامدة، و دحض حججه.