يعالج هذا البحث صورة الجزيرة الفراتية و بلاد الشام في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي كما قدّمها ناصر خسرو في رحلته "سفر نامه", فيوضّح خط سير ذلك الرحالة في ذينك البلدين, و كان خلال مروره في المدن و البلدات التي اجتازها يصور واقع الحياة فيها
, فقدم معلوماتٍ وثائقيةً مهمةً و متنوعة في جوانب مختلفة, فهناك ذكرٌ لبعض الأخبار التاريخية, و عرضٌ للواقع السياسي القائم, و لبعض الأعمال الحضارية في عهد بعض الحكام الذين عاصرهم في بعض المناطق, و تصوير لكثير من الجوانب الحضارية, فهي تلقي ضوءاً على العديد من النواحي العمرانية كمواقع المدن و أبوابها و اتجاهاتها و أسواقها و عمائرها المختلفة من دينية و مدنية و عسكرية, و زخارف تلك العمائر و نقوشها, كما توضّح مصادر المياه في كل منطقة سواء من الأنهار أو العيون أوالآبار أو من مياه الأمطار و غيرها, كما تبيّن الزراعات من أشجار و نباتات, و كذلك الحرف و المهن, و أهم المراكز التجارية و النقود و الموازين, و بعض المواد المتاجر بها, كما تحتوي بعض المعلومات الاجتماعية, و منها عدد السكان في بعض المدن, و المذهب الشائع في بعض المناطق, و زيارة الأماكن المقدسة, و بعض الاعتقادات و العادات التي كانت موجودة آنذاك, و غير ذلك.
لأرض الشام والقدس مكانة خاصة و مميزٌة لدى العلماء و الشعراء و الكّتاب
الإيرانيين بدءًا من القرن الثالث إلی القرن العاشر للهجرة و حتی ما بعده، فتلك البقعة
من الأرض تتمتع بقداسة خاصة كونها أرض الأنبياء و مهد الرسالات السماوية، و لهذا
كانت موئلأ و مك
انًا لإقامة العديد من علماء الدين و الأدباء ردحًا من الزمن، کما تمنى
الكثير من العلماء و الأدباء الآخرين السفر إلی تلك الديار، و قد تمكن العديد منهم من
تحقيق رغبته تلك، و منهم: سعدي الشيرازي و مولانا جلالالدين الرومي و ناصرخسرو
القبادياني.
كان الحكيم ناصر خسرو القبادياني الذي عاش بين عامي 394 و 481 ه أحد
الوجوه العلمية المتأّلقة في الثقافة الفارسية و أحد أهم شعراء القرن الخامس و كّتابه.
كان أول رحالة كتب بالفارسية، و شاعراً ملتزماً و فيلسوفاً عالماً سخر قلمه للترويج للمذهب الإسماعيلي
. تأّثر بشكل كبير بالعربية و أعطى القصيدة الفارسية تحولاً في الشكل و المضمون. يمكن أن نعد شعره دينياً سياسياً و انتقادياً و عد أحد أهم شعراء السبك الخراساني. تنّقل في العالم العربي بين مدن عدة فتركت الثقافة العربية بصمة واضحة في شعره.