يُعدّ العدول حدثاً أسلوبياً نال اهتماماً كبيراً من علماء اللغة القدماء و المحدثين نظراً لما يولّده من طاقات لغويّة تعبيريّة، و إبداعات فكريّة، تتخطّى السّائد و المألوف، و من أنواعه المجاز المرتكز على تجاوز النّمطيّة في التّعبير الأدبي؛ لذلك جاء هذا ا
لبحث ،ليبيّن أثر المجاز في تكوين ظاهرة العدول معتمداً على آراء بعض علماء اللغة ، و كانت نتيجة البحث أنّ المجاز عدول قائم على خرق المألوف في سنن الكلام المعياري ، ممّا يثير إعجاب المتلقّي بما يحقّقه من سمات جماليّة بلاغيّة ، و لكنّه لا يخرج خروجاً مطلقاً على قواعد اللغة ، و إنْ فضّل المبدع نمطاً تعبيرياً على آخر ، كما أنّ استخدام المجاز لا يجعله منبت الصّلة عن الحقيقة ، بل يظلّ متّصلاً بها برباط خفي دقيق ؛ لأنّه فرع منها ، و الفرع لا يفهم إلاّ من خلال الأصل ، و لا يُعرف إلاّ به .
المجاز هو تقليد للحقيقة بصورة فنيٌة، فالحقيقة تكون مطابقة للواقع و المجاز لا يخالف
الحقيقة لكن مطابقته للواقع تكون فنيٌة ممٌا يجعل علاقاته أبلغ و أكثر إيجازا من حيث
الدٌلالات و المشاعر الٌتي تموج بها الصٌورة المجازيٌة و من هنا تكون أهمٌيٌة المجاز ف
ي
كونوه مظهرا من مظاهر الإيجاز في البلاغة فقد تناولنا في بحثنا هذا ذكر المجاز
و علاقاته في الإيجاز اللغوي الٌتي لا تنحصر في حدود البلاغة بل تتعدٌاها إلى نواح
أخرى من اللغة من خلال خلق معان جديدة و فيض شعورمي و تشريع الرٌبط بين كلمات لا
يمكن ربطها في الحقيقة.