تعد ظاهرة غسل الأموال من الظواهر الخطيرة، التي تواجه الكثير من دول العالم، لما
لها من آثار اقتصادية، و اجتماعية، و سياسية خطيرة على الدولة، و مكانتها في الأسرة
الدولية.
و قد ساعد على انتشار هذه الظاهرة؛ سهولة انتقال رؤوس الأموال عبر الدول
المختلف
ة، في ظل تحرير التجارة الدولية، مما آل إلى تزايد حركة تداول أموال المنظمات
الإجرامية على المستوى المحلي و الدولي، و ذلك بهدف إخفاء الشرعية على الأموال
التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة لتبدو، و كأنها أموال نظيفة.
تؤدي النقود الإلكترونية دوراً مهماً في تطور التجارة و لاسيما الإلكترونية منها، فهي تُمكن المتعاملين بها من إجراء الصفقات و تسوية قيمتها و الشخص الذي يقوم بها موجود في منزله أو مكتبه، و توّفر في النفقات التي تستلزمها النقود التقليدية من إحداث مصارف و
دفع رواتب موظفيها و غيرها من النفقات. و على الرغم من ذلك فإن لهذه النقود محظوراً مهماً يتمثل في استخدامها بشكلٍ غير مشروع
بغرض ارتكاب جريمة غسل الأموال، فتتحول من وسيلةٍ لتطوير التجارة إلى أداةٍ لارتكاب الجريمة.
تعد جريمة غسل الأموال من أقدم الجرائم المعروفة تاريخياً نظراً إلى ارتباطها بجريمة أصلية تسبق ارتكابها.
و يعرف غسل الأموال بأنه: كل سلوك يقصد به إخفاء هوية الأموال التي لها علاقة بعمليات غير مشروعة أو تغييرها، و ذلك تمويهاً لمصادرها الحقيقية، و لكي ت
ظهر بأنها ناجمة عن عمليات مشروعة. و تتم عمليات غسل الأموال من خلال ثلاث مراحل رئيسية هي: الإيداع و التغطية (التمويه) و الدمج. و تهدف هذه المراحل إلى ضخ متحصلات الجريمة الأصلية (الأموال غير المشروعة) في الاقتصاد المحلي أو العالمي أو كليهما معاً كأموال مشروعة.
هدفت هذه الدراسة إلى التعريف بجريمة غسل الأموال، و بيان أركانها الأساسية و عقوباتها في ضوء أحكام القانون المذكور، فضلاً عن الجهود التي بذلتها الجمهورية العربية السورية في مجال مكافحتها.
طبقاً لقوانين مكافحة غسل الأموال تعد جريمة غسل الأموال جناية، و بالتالي لا يمكن إحالتها إلى محاكم الجنايات وفقاً للقواعد العامة دون أن يسبقها التحقيق.
و بعد أن تنتهي السلطات المختصة بمكافحة غسل الأموال من مرحلة التحريات التي تتم في إطار القواعد المن
صوص عنها في قانون مكافحة غسل الأموال، و بعد أن تكون قد وصلت إلى وجود دلائل قوية على ارتكاب جريمة غسل الأموال، يأتي دور السلطات القضائية المختصة وفقاً للقانون الجزائي المختص.
و نحاول في هذا البحث تسليط الضوء على مرحلتي التحري و التحقيق في جريمة غسل الأموال و كيفية قيام الجهات المختصة بكل منهما بالعمل الموكل إليها في هذا الشأن و ذلك طبقاً للقواعد القانونية المقرة.
تعدّ المصادرةُ عقوبةً ماليةً تُفرض كمبدأٍ عام بحكمٍ قضائيٍّ مبرم وفق ما نص عليه
الدستور السوري النافذ حالياً و قانون مكافحة الإرهاب, غير أنه و لدواعٍ سياسيةٍ و استثناءً
من المبدأ العام كان يتم فرضها بمرسومٍ تشريعي خلال العقد السادس من القرن العشرين
في سورية, و على الرغم من أن المشرع السوري قد نص على كيفية فرضها, إلا أنه لم
ينص على كيفية إدارة و استثمار الأموال الناتجة عنها, و التي تشكل أحد موارد الخزينة
العامة للدولة, مما أدى إلى تعدد الجهات العامة التي تشارك في إدارة هذه الأموال, و الى
قيام كل جهة من تلك الجهات بتطبيق الأنظمة الخاصة بها, الأمر الذي يستدعي تدخل
المشرع لتنظيم هذا الموضوع من خلال نص قانوني موحد يتضمن النظام المالي
و الإداري للأموال المصادرة .