تشتمل أنظمة النقد الإلكترونية على العديد من الخصائص التي تختلف عن وسائل الدفع الأخرى وقد لا تتوافر هذه الخصائص إلا في التعامل بأنظمة النقد الإلكترونية، وهذه الخصائص منها ما يتعلق بأوصاف ذاتية لأنظمة النقد الإلكترونية، نظرا لصفتها الإلكترونية، ومنها ما تتمز به عن قرينتها التقليدية (الأوراق النقدية) ومنها ما يتعلق بطريقة تداولها، وهذه الخصائص ستدفع بهذه الآلية وستجعلها في المستقبل القريب من الاستخدامات المنتشرة والمتميزة لدى المتعاملين.
ونظرا لكون هذه الآلية يتم تداول النقود الإلكترونية فيها بطريق الوسيط الإلكتروني، والذي يتم تخزينها عليه، فهو يكسبها بذلك خصائص عديدة نجملها في ما يلي :
أولاً : الحجم المتميز للوحدات النقدية الإلكترونية على أنظمة الدفع الألكترونية وسهولة حملها:
- وحدات النقود الإلكترونية المخزنة على أنظمة الدفع الإلكترونية هي عبارة عن صيغ إلكترونية كهرومغناطيسية، تم الاتفاق على شكلها المتداول عن طريق الجهات المُصدرة والجهات التقنية المصنعة للأجهزة والحوافظ النقدية الإلكترونية، بالاستناد إلى ضوابط الإصدار الخاصة بالجهات الرسمية كالبنك المركزي الوطني.
وفي كل الأحوال تتميز هذه الوحدات النقدية بشكلها الفريد و النوعي، والذي يميزها عن الأوراق النقدية التقليدية بالعديد من الخصائص، فهي لا تشغل حيزا كبيرا من المحفظة اليدوية الخاصة بالعملاء، ولا تخضع لعمليات التأكد من صحتها وعدم تزويرها تحت أجهزة فحص العملات، كما أنها تتميز بالإخفاء الذي يعطيها أمانا إضافيا مع محافظة المتعامل عليها، فيمكن لحاملها أن يخزن آلاف الوحدات النقدية الإلكترونية في مساحة بسيطة جدا في الرقيقة الإلكترونية المدمجة في البطاقة البلاستيكية، بدلا من أن يكلف نفسه حمل وحفظ هذه الكمية الكبيرة من النقود.
وأما شكل الوحدات النقدية الإلكترونية ذاتها، فهي على شكل صيغ قيمية إلكترونية (Bits)، وتكون واضحة بإعطائها بيانا واضحا عن قيمتها للمتعاملين، وفق الطرق الإلكترونية المتبعة ([1]).
كما أن هذه الصيغ الإلكترونية (Bits) تكون مخزنة في الرقيقة الإلكترونية المدمجة في البطاقة البلاستيكية، مما يعطيها حجما صغيراً لا يأخذ حيزاً من محفظة العميل، بعكس النقود التقليدية التي تأخذ حيزاً من محفظة العميل، علاوة على اختلاف وتنوع أشكال النقود التقليدية الورقية والمعدنية.
ثانياً : الديمومة وعدم الحاجة إلى التجديد :
النقود الإلكترونية بصفتها إلكترونية إستطاعت أن تحقق ما لم تحققه العديد من وسائل الدفع الإلكترونية و الحديثة على حد سواء، فقد تغلبت على أحد عيوب النقود الورقية بالذات، وهذه الميزة تتمثل في إمكانية الاحتفاظ بوحدات النقود الإلكترونية المخزنة في الرقيقة الإلكترونية لمدة طويلة ، دون التأثر بأي مؤثر خارجي، وهذه الصفة تفتقدها الأوراق النقدية التقليدية، التي سرعان ما تتقاذفها أيدي المتعاملين، فتسرع بها إلى التبديل النقدي بأوراق جديدة، أو تتناولها عمليات التجديد الوطني للعملة.
و النقود الإلكترونية لا تحتاج للتجديد السنوي الذي يمارس على بطاقات الائتمان الإلكترونية، وهذه الميزة تختص بها الوحدات النقدية الإلكترونية، وليس المحفظة ذاتها التي قد تتعرض للانتهاء وطلب التجديد كما أن ديمومة بقاء هذه الوحدات النقدية الإلكترونية متوقفة على قدرة حامل الحافظة الإلكترونية على المحافظة عليها و عدم القيام بأي فعل يؤدي إلى مسح أو إنعدام قيمة أو إخراج وحدات النقود الإلكترونية من دائرة التعامل([2]) .
ثالثاً : تتميز بالقبول العام :
- من أهم ما يميز وحدات النقود الإلكترونية القيمة النقدية الذاتية التي تتمتع بها، ونقصد بالقيمة الذاتية : أن وحدات النقود الإلكترونية بذاتها تحمل قيمة مالية يتمكن حاملها من سداد ووفاء ما عليه من التزامات لصالح التجار، وهذا السداد ليس محصورا بخدمات معينة، ولا لجهات محددة، بل هي مقبولة من جميع المحال التجارية ومواقع البيع، التي تقبل مثل هذه الوحدات الإلكترونية للسداد وبنفس قبول الأوراق النقدية التقليدية، وبذلك تختلف النقود الإلكترونية عن القيم المالية المختلفة التي توضع وتخزن على بطاقات الاتصال المعروفة، حيث أنها خصصت لخدمة معينة فقط، وكذلك تختلف النقود الإلكترونية عن القيم المالية التي تضاف على بطاقات خدمات النقل، كبطاقة ركوب حافلات المواصلات العامة ([3])، وكذلك البطاقات الخدمية للتصوير في المكتبات، و البطاقات الخاصة لخدمات المطاعم، فكل هذه البطاقات تخزن فيها قيم مالية لسداد خدمات محددة فقط، كما تفترق عن النقود الإلكترونية بفروق أخرى سنذكرها لاحقا عند التمييز بين النقود الإلكترونية وما يشابهها من أنظمة وآليات دفع تقليدية وإلكترونية .
رابعاً : سهولة استخدامها مع تخزينها بكميات كبيرة على المحافظ الإلكترونية :
وهذه الخاصية تتميز بها النقود الإلكترونية التي يتم تخزينها على المحافظ الإلكترونية عن غيرها من وسائل الدفع الإلكترونية، فالمحافظ النقدية الإلكترونية تتخذ شكلين منتشرين في الواقع العملي، فالشكل الأول من المحافظ الإلكترونية فهي البطاقات الذكية (Smart Cards-based products)، وتخزن فيها النقود الإلكترونية على شريحة كمبيوترية مدمجة في البطاقة البلاستيكية ([4])، وهي الأكثر استخداما وانتشارا، و أما الشكل الثاني من المحافظ الإلكترونية، فهو من خلال برمجيات العقل الإلكتروني (Software- based products).
فأما البطاقات الذكية (Smart Cards-based products) فهي على نوعين، فالنوع الأول من البطاقات البلاستيكية تكون قد دمجت فيها شريحة رقيقة إلكترونية (chip) وظاهرة للرؤية لمن يحملها، وهذه الرقيقة الإلكترونية لها قدرة فائقة على تخزين جميع البيانات الخاصة بحاملها، فهي كالكمبيوتر المتنقل، وتمثل حماية عالية ضد التزوير وسوء الاستخدام، كما تتيح لأجهزة قراءة البطاقات - التي توضع في المواقع التجارية - التدقيق في تفاصيل الحسابات المالية لحاملها ([5]) . وأما النوع الثاني من البطاقات البلاستيكية، فالشريحة الرقيقة الإلكترونية (chip) قد دُمجت واُخفيت تماماً في البطاقة البلاستيكية ولا يمكن رويتها، وهذا فيما يتعلق بالبطاقات البلاستيكية .
وأما بالنسبة للشكل الثاني من المحافظ الإلكترونية- وهي برامج العقل الإلكتروني (Software- based products) - فهي كذلك على نوعين، فالنوع الأول هو عبارة عن جهاز إلكتروني يحمل يدويا ويحتوي على البرنامج الإلكتروني المعد من الجهة المُصدرة والذي يتم تخزين الوحدات النقدية الإلكترونية فيه، وبه يستطيع العميل أن يقوم بوفاء قيمة مشترياته، وأما النوع الثاني فهو عبارة عن برنامج إلكتروني يتم تحميله وتنزيله على جهاز الحاسب الآلي للمستخدم، وغالباً ما يتم استخدامه عن طريق التسوق في المحال التجارية الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وهذه الأجهزة جميعها تحتوي على ذاكرة فائقة لتخزين المعلومات و البيانات أكثر بكثير من الأشرطة الممغنطة للبطاقات الائتمانية ([6])، والتي تتسع لكميات معلومات أقل.
خامساً : توافر عناصر السرية والأمان والسلامة :
من أهم ما يلتمسه مستخدمو آليات الدفع – وخاصة آليات الدفع الإلكترونية- هو تحقيق عناصر السرية و الأمان و السلامة عند إجراء معاملاتهم باستخدام هذه الآليات، وبقدر ماتؤمن لهم آليات الدفع تلك العناصر، يتم منحها ثقة المستهلكين والمستخدمين، ذلك أن التجارة الإلكترونية العالمية مع كونها نظاما متطورا في التعامل البشري، إلا أنها قد تعرضت للعديد من عمليات الاستغلال غير الشرعي.
وآلية الدفع عبر النقود الإلكترونية لا ريب في أنها تحقق تلك العناصر المرجوة من قبل المستهلكين والمتعاملين، فعُنصُرا السرية و الأمان يتحققان من خلال عدم القدرة على معرفة ما تحتويه الحافظة النقدية إلا عن طريق حاملها، كما أن تكنولوجيا الشريحة الكمبيوترية المدمجة في البطاقة البلاستيكية (Smart Cards-based products)، وفي برامج العقل الإلكتروني (Software- based products) تُوفران السرية والأمان اللازمين ، وذلك من خلال السرية التي تغطي كافة الحوارات الإلكترونية التي تتبادل ما بين الشريحة الإلكترونية، والأجهزة الإلكترونية لدي التجار، وكذلك التي تغطي كافة الحوارات الإلكترونية المتبادلة بين الحوافظ النقدية المثبتة على أجهزة الحاسب الآلي للمستهلكين ومواقع البيع على شبكة الإنترنت، وهذه السرية الموجودة تزيد من الأمان العام لمستخدمي هذه الآلية الحديثة، و بالتالي يزيد إقبال المستهلكين والمتعاملين عليها ([7]) .
ويتحقق عنصر السلامة أيضا في الاستخدام من خلال التقنية الفنية للشريحة الكمبيوترية المدمجة في البطاقة البلاستيكية، حيث تحتوي الشريحة الكمبيوترية على نوعين من أنواع المعلومات المخزنة عليها، وهي كالتالي :
النوع الأول من المعلومات هو النوع المعد للقراءة فقط ويطلق عليه اسم (Read-Only Mode)، ومن أمثلة المعلومات التي بهذا الوصف الأول، البيانات الشخصية لحامل البطاقة، والبيانات الخاصة بالجهة المصدرة، ومعلومات البطاقة ذاتها كتاريخ إصدارها وإنتهائها، والرقم التسلسلي للبطاقة، وهذا النوع من المعلومات لا يمكن تغييره أو تعديله من قبل المستخدم و الحامل للبطاقة الإلكترونية، ويتم وضع هذه المعلومات من قبل الجهة المُصدرة عند إصدار البطاقة الإلكترونية أول مرة،والجهة المخولة تغييرها هي الجهة المُصدرة ذاتها، وتخضع عمليات التغيير إلى إجراءات قانونية محددة سلفا ([8]).
وجدير بالذكر أنه مع كون تشابه هذه البيانات مع البيانات في الفقرة السابقة في أنها بيانات معدة للقراءة فقط (Read-Only Mode)، إلا أن وجه الاختلاف في أن البيانات المالية يمكن قراءتها والاطلاع عليها باستخدام أجهزة الشحن الإلكترونية، وأما المعلومات و البيانات الشخصية في الفقرة الأولى فلا يمكن الاطلاع عليها إلا عبر الجهة المُصدرة وأجهزتها الداخلية، وهذا هو الاختلاف الأول، وأما الاختلاف الثاني فإن المعلومات الأولى عبارة عن معلومات و بيانات شخصية، وأما الثانية فهي عبارة عن معلومات وبيانات مالية فقط .
والنوع الثاني من المعلومات، فهو النوع المعد للقراءة والكتابة والتغيير، ويطلق عليه اسم (Read-Write Mode)، ومن أهم المعلومات التي بهذا الوصف الثاني كلمة السر الخاصة بالعميل (Password)، والخدمات التي تطبق عبر البطاقة الإلكترونية، هذا بالإضافة إلى أن الحامل للبطاقة يمكنه إجراءات التعديل على هذه المعلومات في أي وقت شاء، بل إن العديد من الجهات المُصدرة سواءا للمحافظ الإلكترونية أو البطاقات الائتمانية تدعو مستخدمي هذه البطاقات دائما إلى تغيير كلمات السر الخاصة على نحو منتظم، خشية وقوع تلك الكلمات الخاصة - و الحساسة جدا - في أيدي أشخاص آخرين، أو أن تتعرض لاستخدامات غير قانونية ([9]) .
وبهذا يتضح لنا أن آلية التعامل بالنقود الإلكترونية تحقق عناصر السرية و الأمان والسلامة التي ينشدها المتعاملون بها، مع وجود عمليات المراقبة الأمنية التقنية التي تقوم بها الجهات المُصدرة والمؤسسات المالية على أنظمتها المالية الإلكترونية بوجه عام .
ولذا فالباحث لا يجد مبررا ولايؤيد الاتجاه الذي يدعي أن الأمان المطلق غير موجود في نظم النقد الإلكتروني ([10])، وأن تحقيقه غير متصور سواءا في الواقع المادي، أم في الواقع الافتراضي، بل إن الأمان العام يوجد في نظم النقد الإلكتروني، وهي درجة الأمان التي من خلالها يتم تشغيل أنظمة النقد الإلكترونية بطمأنينة وثقة عالية، بما وُضع فيها من برامج مراقبة إلكترونية، وبوابات دخول محكمة، غير قابلة للاختراق، ووجود آليات التشفير المعقدة، إضافةً إلى التجديد المستمر والمتطور والمواكب لأحدث طرق التشغيل المؤمنة لاستخدام هذه الأنظمة الحديثة.
وأما ما يقع من أخطاء أو استخدامات غير شرعية، فهي نتيجة لمخالفة التعليمات في تشغيل هذه النظم الإلكترونية، من خلال إهمال المحافظة على كلمة السر الخاصة بالعميل (Password)، هذا من ناحية، وبأجهزة الحاسب الآلي الخاص بالعميل لمواقع تجارية مشبوهة عبر شبكة الإنترنت ([11])، وتعريضها لأعمال القرصنة الإلكترونية ([12])، من ناحية اخرى.
ثم إن القول بعدم وجود الأمان المطلق في أنظمة الدفع الإلكترونية بسبب المخاطر التي تحيط به، يستلزم القول بعدم الأمان المطلق في أنظمة الدفع التقليدية، فالعقبات التي تحيط و يتعرض لها كلا الأنظمة متشابهة ومتقاربة، ومن المتعين التفريق بين عمل نظام معين بالصورة التي وُضع من أجلها، وبين ما يتم من استخدام خاطئ أو غير شرعي لمخالفة هذه التعليمات والتوجيهات، إضافة إلى أن هذا القول - بعموم - يضفي عدم الثقة على أنظمة الدفع والنقد الإلكترونية، وعلى الجهود المبذولة والمتتابعة في ترقية هذه الأنظمة الحديثة بوجه عام، مما يقلل من إتجاه المتعاملين إليه .
سادساً : حماية الخصوصية في التعامل:
من خصائص التعامل بالنقود الإلكترونية كذلك المحافظة على الخصوصية عند إجراء التعاملات المالية من خلالها، وهي من المميزات التي يحرص مزودو آليات الدفع بالنقود الإلكترونية على توفيرها، و التي تبقى على سرية وخصوصيةَ معاملات كلاًّ من التاجر و المستهلك، وهو ما يؤدي إلى بعث الثقة في نفوس المتعاملين وانتشارها بينهم.
والخصوصية التي تتوافر في آلية الدفع بالنقود الإلكترونية – وخاصة في محفظة النقود الإلكترونية- تضمن للمستهلكين سرية الاحتفاظ ببياناتهم الشخصية، والمعلومات المالية التي تحتويها المحفظة الإلكترونية، كالرصيد المتبقي من الوحدات الإلكترونية وعمليات إعادة التخزين الإضافية، والعمليات التي تمت عن طريق المحفظة الإلكترونية، ومواقع البيع التي تم إنفاق الوحدات الإلكترونية فيها.
وهنا تُثير مسألة الخصوصية السابقة تساؤلاً على قدر من الأهمية، فيما يتعلق بخصوصية الأرقام التسلسلية لوحدات النقود الإلكترونية عند عملية اصدارها، فهل يتم ربط الوحدات النقدية الإلكترونية بالعميل وبالتالي إمكانية معرفة ومتابعة خط سير هذه الوحدات النقدية، وكشف ستار معاملات وخصوصيات العميل؟ أم أن ضوابط الإصدار سَتَكفل بمنع هذا الربط، وعدم معرفة حامل وحدات النقود الإلكترونية ؟
ذلك أن محافظ النقود الإلكترونية تخضع في إصدارها لضوابط البنك المركزي، وهذه الضوابط على قدر من الاهمية، ومن أهم هذه الضوابط ما يختص بالوحدات الإلكترونية التي تخزن في المحفظة الإلكترونية، في بيان عددها وكيفية إصدارها، والأرقام التسلسلية الخاصة بها، وكيفية مقابلتها ومبادلتها بالنقود الورقية التقليدية، ومعرفة الجهة التي أصدرتها، وتمييز الوحدات عن بعضها البعض، خاصة إذا تم منح تصريح الإصدار لعدة جهات وبنوك مصرفية، وكذلك إذا ما تم توحيد آليات وبرامج ونظم محافظ النقود الإلكترونية في ما بين الجهات المُصدرة، وكما أنها تفيد في عمليات كشف التزوير والتكرار لهذه الوحدات النقدية الإلكترونية.
وللإجابة على هذا التساؤل، يجد الباحث بأن جانبا من الفقه فرق بين نظم الدفع بالبطاقات الإلكترونية ونظم الدفع بالنقود الإلكترونية من ناحية ربط وتعقب المدفوعات والمعاملات التي يجريها المستهلك ([13])، حيث تتم عمليات الدفع بالنقود الإلكترونية بدون أن يحتفظ البائع بسجلات خاصة بعملائه، كما لا تتضمن هذه الوحدات النقدية الإلكترونية أية بيانات عن حائزها، ولا يتم تدخل الجهة المصدرة لإتمام أي عملية شراء أو دفع ، فيما عدا عملية الاسترداد في نهاية دورة النقود الإلكترونية، وبالتالي إنعدام المراجعة والتدقيق الحسابي على مدفوعات المستهلك، وعدم القدرة على المضاهاة بين مسحوبات المستهلك من النقود الإلكترونية ومدفوعاته اللاحقة، وبالتالي تتمتع نظم الدفع بالنقود الإلكترونية بالسرية، وعدم القدرة على تتبعها.
في حين أن نظم الدفع بالبطاقات الائتمانية تتم عمليات الشراء فيها باستخدام البطاقات الائتمانية، وتُسجل من خلالها جميع عمليات الشراء في قاعدة بيانات كلاًّ من التاجر ومُصدر البطاقة الائتمانية، و بالتالي يمكن مراقبة ومتابعة جميع العمليات التي تتم عن طريق البطاقة الائتمانية، كتحديد المبالغ التي تم إنفاقها، وتحديد مواقع البيع، وقيمة كل صفقة على حدة، وبالتالي لا تتمتع نظم الدفع التقليدية بالسرية ويمكن تعقبها.
ومع قوة هذا الرأي، فالباحث يرى بأن ارتباط وحدات النقود بحاملها، وكذلك ارتباط بطاقة الائتمان الإلكترونية بحاملها، والعمليات التي تتم بكلتا البطاقتين، لا يشكل أي تدخل في الخصوصية التي يتمتع بها الحامل، وبيان ذلك أن ارتباط العمليات التي تتم باستخدام وحدات النقود الإلكترونية بقاعدة البيانات المرتبطة بكلاً من التاجر ومُصدر محفظة النقود الإلكترونية، أو العمليات التي تتم باستخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية، لا يعني إمكانية الاطلاع على العمليات التي يجريها المستهلك بصورة كاملة، أو أن تكون بياناته المالية على مرأى من أي جهة، و لا يعد إنتهاكاً لخصوصيته، ويمكن عرض هذه الفرضية على صورتين :
الصورة الأولى : الجهة الْمُصدرة و بيانات العميل :
تسعى مؤسسات إصدار وحدات النقود الإلكترونية، والبطاقات الائتمانية الإلكترونية إلى كسب ثقة عملائها من خلال مبدأ ضمان أن جميع بياناتهم الشخصية والمالية تكون قيد المحافظة السرية عليها، ولن تتم إساءة استخدامها، وأن تكون ضمن نظام حماية ووقاية من التلاعب أثناء عبور عمليات الدفع باستخدام البطاقات الائتمانية في شبكة الإنترنت العالمية، وغالباً ما تقوم مؤسسات إصدار البطاقات الائتمانية ببيان السياسة المتبعة في الحفاظ على سرية البيانات الشخصية والمالية لعملائها ببنود تفصيلية في عقود الاستخدام الخاصة بها .
الصورة الثانية : التاجر و بيانات العميل :
التاجر في معاملاته مع العميل هو من يطلع على الحد الأدنى من البيانات والمعلومات ، والمتمثلة في اسم التعريف الشخصي، وجهة الإصدار، وتاريخ الصلاحية، ومدي إمكانية سداد قيمة المشتريات من عدمه فقط، بل إن المعلومة الأخيرة –الوفاء و السداد لقيمة المشتريات- متوقفة على إجابة الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالحساب المصرفي للعميل في البنك المرتبط بهذا الحساب، ولا يمكن للتاجر أن يطلع على البيانات الأخرى للعميل، والتي منها معاملاته السابقة ورصيده المتوفر، وكشوفات السداد الخاصة بالعميل، وغيرها من البيانات السرية ([14]) .
ولذا يتضحُ لنا أنه مع ربط العميل بالعمليات التي يقوم بها باستخدام وحدات النقود الإلكترونية، أوبإستخدام البطاقة الائتمانية، فإن ذلك لا يعني مس خصوصيته الشخصية، أو خصوصية معاملاته المالية، خاصة في ظل تمكن وتمرس هذه المؤسسات المصرفية من القيام بعملها على أحسن وجه، إلا ما يرد في بعض الإستثناءات – كالمتابعة القضائية أو الأمنية - والتي سنعرضها لاحقاً، عند عرض التزامات الجهة المُصدر تجاه العميل.
سابعاً : قابليتها للانقسام :
من مميزات النقود الإلكترونية قابليتها للانقسام، ونعني بذلك أن وحدات النقود الإلكترونية ليست متحدة فيما بينها إتحاداً يمنع انقسامها أثناء عمليات الدفع و السداد، ولكنها قد خزنت في المحفظة الإلكترونية تخزيناً يتيح تقسيمها بحسب القيمة المراد دفعها، فهذه الوحدات قد أعدت كل وحدة فيها لتساوي القيمة المالية الصغرى للوحدة النقدية الوطنية، ومثال ذلك : أن كل وحدة نقدية إلكترونية تساوي درهماً واحداً، أو كل وحدة إلكترونية تساوي دولاراً واحداً، وبذلك يكون تخزين هذه الوحدات في المحفظة النقدية الإلكترونية تخزيناً قابلا للانقسام بحسب قيمة الخدمة، فهي تقبل جميع الصفقات إذا كانت عدد الوحدات النقدية المخزنة كافية للدفع والسداد، وليست محصورة بصفقات ذات قيمة معينة، كما أن ميزة القابلية للانقسام للنقود الإلكترونية تتفوق على النقود التقليدية الورقية بعدم الحاجة إلى التأكد من القيم الموجودة إثناء الصفقات، فبعض القيم التقليدية الورقية تحتاج إلى تغيير وتحويل من عملة كبيرة إلى عملة أصغر منها لكي تلائم قيمة المدفوعات والصفقات، بخلاف الدفع بالنقود الإلكترونية الذي يتم بخصم قيمة المبيع أو الخدمة من الحافظة الإلكترونية مباشرة، وعدم الحاجة للتأكد من ملاءمة الوحدات النقدية الإلكترونية لقيمة المبيع أو الخدمة ([15]) .
ثامناً : عدم تجانس وحدات النقود الإلكترونية :
وهذه الميزة تبعٌ للميزة السابقة، فوحدات النقود الإلكترونية غير متجانسة وغير مترابطة فيما بينها، بخلاف النقود التقليدية الورقية، فكل وحدة نقود إلكترونية قد أعدت وأعطيت قيمة نقدية مالية، تساوي القيمة المالية الصغرى للوحدة النقدية الوطنية، ومثال ذلك أن كل وحدة نقدية إلكترونية تساوي درهماً واحدا، أو كل وحدة نقدية إلكترونية تساوي دولاراً واحداً ، ومع ذلك لا مانع - مستقبلاً - من تخزين وحدات النقد الإلكتروني بفئات نقدية مختلفة، لكي تلائم قيمة المشتريات بصورة أفضل.
تاسعاً : السرعة والسهولة في الاستخدام :
لا خلاف في أن عنصري السرعة وسهولة الاستخدام من العوامل الجوهرية في تفضيل نظام معين على غيره من أنظمة الدفع الإلكترونية، فكلما تميز نظام معين بالبساطة والوضوح ازداد استعماله في تسوية المعاملات الإلكترونية، و هو ما يؤدي بدوره إلى تحقيق القبول العام الذي يعد أمراً ضرورياً لضمان بقائها واستمرارها ([16])، والعكسُ صحيح، فإذا ماكان نظام الدفع الإلكتروني تعتريه عدة إجراءات، تُعطل من سهولة وسرعة إنجازه للمعاملات، فلن يكتب له القبول العام وسيقل التوجه إليه، وسيبحث الأفراد عن طريقة أفضل لتسوية مشترياتهم.
وبهذه السهولة تتميز عملية الدفع بالنقود الإلكترونية، وخاصةً حافظة النقود الإلكترونية، سواءاً في عملية تخزين الوحدات الإلكترونية، والتي لا تتطلب سوى دفع قيمة الوحدات التي يرغب العميل بتخزيها في الحافظة، أو من خلال عملية إنفاقها ونقلها إلى الحافظة الإلكترونية الخاصة بالتاجر، والتي لا تتطلب سوى الموافقة على نقلها من قبل العميل، فالنقود الإلكترونية ملائمة وسهلة الاستخدام والحفظ والنقل،حيث يمكن وضعها في الحاسوب المكتبي أو الدفتري أو المساعد الرقمي الشخصي، وتدار بواسطة برمجيات بسيطة تحتاج إلى قدر متواضع من متطلبات التشغيل على صعيدي : المعدات والبرمجيات ([17]) .
وأما غيرها من أنظمة الدفع الإلكترونية، فإنها قد تتطلب في بعض الأحيان أن يقوم العميل بملء استمارة معينة لإتمام عملية البيع، إضافةً إلى أنه قد تتعرض بعض أجهزة الدفع الإلكترونية كالبطاقات الائتمانية لأعطال شبكة الإنترنت، وبالتالي عدم القدرة على السداد عن طريق هذه البطاقات، وإضطرار العميل إلى الدفع بالنقد التقليدي الورقي، بل وأحياناً – وخاصةً في المتاجر التي لا تقبل الدفع إلا باستخدام البطاقات الائتمانية - قد لا يتمكن المتجر نفسه من القيام بعمليات البيع للعملاء لتعطل شبكة الإنترنت، مما يعيق حركة البيع وتعرض التاجر للخسائر .
ومن جوانب السرعة والسهولة في الاستخدام أن عملية الدفع باستخدام البطاقات الائتمانية لا تعني براءة ذمة العميل في حينه، ولكن تمر بمراحل عدة لحين أخذ موافقة جهة إصدار بطاقات الائتمان على هذه العمليات التي يجريها العميل، بخلاف الدفع عن طريق النقود الإلكترونية التي تبرأ بها ذمة العميل بمجرد نقل هذه الوحدات الإلكترونية إلى حافظة التاجر، وهو ما سنعرضه بصورة أشمل عند عرض مما تتميز به حافظة النقود الإلكترونية عن غيرها من وسائل الدقع الحديثة.
ولا يمنع من سهولة وسرعة إنجاز المعاملات - باستخدام محفظة النقود الإلكترونية -كون التاجر يحتاج لنقل وحدات النقود الإلكترونية إلى الجهة المصدرة عند الاسترداد، وذلك لأن آلية الدفع بالنقود الإلكترونية مبنية على فكرة الدفع المسبق للنقود، وقد رضي كلٌ من العميل والتاجر على هذه الطريقة الحديثة في الدفع .
([1]) انظر د.شريف محمد غنام، محفظة النقود الإلكترونية، مرجع سابق، ص 21 وما بعدها.
([2]) AMIT and Others ;op.cit.;p.3; KIENZLE (J.) and PERRIG (A.); Op.cit.; P.19; MATONIS (W.J); Op.cit.;P.3.
مشار إليه عند د.شريف محمد غنام، محفظة النقود الإلكترونية، مرجع سابق، ص70 .
([3]) كبطاقة "نول" التي تطبقها هيئة الطرق والمواصلات بإمارة دبي، وهي التي تستخدم لدفع رسوم استخدام وسائل النقل العامة المختلفة، كالحافلات العامة ومحطات الميترو ووسائل النقل البحرية العامة والتي يتم من خلالها إضافة القيم المالية للبطاقة حسب رغبة حاملها، فهي مخصصة لخدمة دفع رسوم استخدام وسائل النقل العامة .
([4]) هي عبارة عن قطعة بلاستيكية مستطيلة مصنوعة من مادة كلوريد الفينيل غير المرن، ومقاسها طبقاً للقاعدة الدولية كالتالي: (8,6 سم × 5.4 سم وسمكها 0,8 سم)، انظر أ. منظور أحمد الأزهري، بطاقة السحب النقدي، مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون، كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة، مايو 2003، المجلد الأول، ص 357 .
([5]) انظر د.محمد حسين منصور، المسؤولية العقدية الإلكترونية (الخطأ العقدي الإلكتروني)، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الأول حول الجوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكترونية، منشورات أكاديمية شرطة دبي، 2003، المجلد الثاني، ص 313 فقرة 6.
([6])تختلف سعة التخزين باختلاف الذاكرة في الحاسب الآلي، وخاصة في الحاسبات المتطورة، والتي تصل سعة الذاكرة فيها إلى أكثر من 400 قيقا بايت، وفي كل الأحوال يمكن القول بأن سعة التخزين في الحاسبات الآلية عالية جداً وتفوق سعة التخزين في الرقائق الإلكترونية (chips)، وأما الشريحة الرقيقة الإلكترونية المدمجة في البطاقة البلاستيكية فهي قادرة على تخزين بيانات تعادل 500 ضعف ما يمكن أن تخزنه البطاقات البلاستيكية الممغنطة، انظر أ.منير محمد الجنبيهي و أ.ممدوح محمد الجنبيهي، البنوك الإلكترونية، دار الفكر،2005، ص12.
([7]) انظر في تحقيق الأمان والسلامة في استخدام النقود الإلكترونية د.أحمد السيد لبيب إبراهيم، الدفع بالنقود الإلكترونية، مرجع سابق، ص74 .
([8]) انظر د.شريف محمد غنام، محفظة النقود الإلكترونية، مرجع سابق، ص24 ومابعدها .
([9]) المرجع السابق، الموضع ذاته.
([10]) انظر في عرض هذا الاتجاه د.أحمد السيد لبيب إبراهيم، الدفع بالنقود الإلكترونية، مرجع سابق،ص76 .
([11]) شبكة الإنترنت تعتبر أكبر شبكة معلومات في تاريخ البشرية، وامتدت وتشعبت وأصبحت تربط بين أكثر من 500 مليون حاسب آلى في أكثر من 200 دولة، ويستخدمها أكثر من مليار شخص حول العالم، د.محمد الشناوي، جرائم النصب المستحدثة، الإنترنت، بطاقات الائتمان، الدعاية التجارية الكاذبة، دار الكتب القانونية، مصر، 2008، ص83.
([12]) تعرضت التجارة الإلكترونية للعديد من عمليات القرصنة التقنية، والتي منها : الاحتيال بالمبالغ الصغيرة، وإبرام صفقات وهمية بأسماء أشخاص آخرين، والاحتيال باستخدام أساليب الاستثمار، وقد تزايدت ظاهرة عمليات السطو الإلكترونية على البنوك بشكل ملحوظ، وأصبحت ظاهرة عالمية تمثل هماً يؤرق أكثر الدول تقدماً كالولايات المتحدة الأمريكية، وأزعجت هذه الظاهرة أسواق المال الكبرى ذات النشاط المالي والاقتصادي المصرفي والتجاري، وسببت خسائر مالية كبيرة، حيث تم إكتشاف 1600 موقع مشبوه يشتغلها النصابون على شبكة الإنترنت، وغيرها من عمليات القرصنة الإلكترونية المتنوعة والمختلفة، انظر د.محمد الشناوي، جرائم النصب المستحدثة، المرجع السابق، ص87 وما بعدها.
([13])-KETTUNEN(T.);Digital money; Helsinki Business Polytechnic; 21/8/2004; P.6. Available at http://Jya.com/fatf8.htm.
-FENG XUE; A secure; Anonymous and Scalable digital cash systems; Thesis; School of computer science; McGill University; Montreal; AUGUST; 1999.P.24.
([14]) انظر في الخصوصية والسرية د.أحمد السيد لبيب، الدفع بالنقود الإلكترونية، مرجع سابق،ص166 .
([15]) انظرالمرجع السابق،ص69 .
([16]) د.أحمد السيد لبيب إبراهيم، الدفع بالنقود الإلكترونية، مرجع سابق، ص 67 .
([17]) د.نبيل صلاح محمود العربي، الشيك الإلكتروني والنقود الإلكترونية، مرجع سابق، ص71.