تقسم وظائف البنك المركزي الى اربعة وظائف رئيسية هي كما يأتي:
اولاً : وظيفة الاصدار النقدي ( Monetary Issue )
يعد البنك المركزي الجهة الوحيدة المخولة من قبل الحكومة بحق اصدار العملة الوطنية المتداولة ، و هذه المهمة أو الوظيفة تقتصر عليه دون غيره من المؤسسات المالية و المصرفية الاخرى . و تعد هذه الوظيفة من اولى الوظائف التي تكفل بها البنك المركزي ، و ارتبطت بمبررات تأسيسه بوصفه بنكاً للاصدار من الناحية التاريخية تمييزاً له عن بقية المصارف و المؤسسات المالية الاخرى التي تزاول العمل المصرفي و الائتماني .
و تخضع البنوك كما كان في السابق لقيود قانونية و تشريعية تحدد و تنظم قدراته و إمكانياته في اصدار العملة ، و هذه القيود المفروضة على حرية البنوك المركزية في الاصدار النقدي ترتبط اساسا بـ ( مكونات غطاء العملة ) من حيث نوعية وحجم أو مقدار هذه المكونات فعندما كانت النظم النقدية تستند على قاعدة الذهب ، كانت التشريعات الحكومية تلزم البنوك المركزية بالاحتفاظ برصيد ذهبي يتناسب و كمية الاصدار من العملة بهدف مواجهة طلبات تحويل العملة الى ما يساويها أو ما يعادلها من الذهب بحسب شروط قاعدة الذهب النافذة آنذاك .
و عندما تم التخلي عن قاعدة الذهب والتحول الى قاعدة النقود الورقية الالزامة ، اصبح غطاء العملة لا يقتصر في مكوناته على الذهب لوحده ، و انما اصبح الغطاء الفعلي للعملة الوطنية مرتبطا و متحددا اساسا بدرجة تطور و تنوع النشاط الاقتصادي و القدرة الانتاجية للبلد ، والتي تنعكس في ميزان مدفوعاته و اصبح غطاء العملة في ظل قاعدة النقود الورقية الالزامية السائدة الان ، متنوعا من حيث الاموال المكونة له منها ، السندات الحكومية و الاوراق التجارية و انواع من العملات الدولية الرئيسية فضلا عن نسبة معينة من الرصيد الذهبي .
و من الضروري الاشارة هنا ، ان عملية الاصدار النقدي من قبل البنك المركزي يجب ان تراعي الاهداف الاقتصادية العامة التي تسعى الدولة الى تحقيقها و في مقدمة هذه الاهداف تحقيق قدر مناسب و مقبول من الاستقرار النقدي و النمو الاقتصادي كاهداف اساسية تسعى اليها السياسة النقدية مما يعني في الوقت ذاته تجنب الضغوط التضخمية من جهة و توفير قدر مناسب من الرواج الاقتصادي من جهة اخرى .
ثانيا: وظيفة الرقابة على الائتمان المصرفي. ( Surveillance on Bank Credit )
يعتمد البنك المركزي في تطبيقه لهذه الوظيفة على مجموعة من الاجراءات و التدابير الهادفة الى تنظيم نشاط الجهاز المصرفي ، و توجيهه الوجهة المناسبة و السليمة عن طريق فرض رقابته على عمليات الاقراض و الاستثمار المصرفي التي تنعكس بدورها على حجم أو كمية وسائل الدفع المتاحة في المجتمع و اجمالي السيولة المحلية في البلد بهدف تحقيق الاستقرار النقدي و الذي ينعكس في المحافظة على قيمة العملة الوطنية داخليا و خارجيا و هذا الاستقرار يمثل هدفا اساسيا يسعى اليه البنك المركزي أو السلطة النقدية .
ان وظيفة الرقابة على الائتمان المصرفي تتحقق من خلال استخدام البنك المركزي مجموعة من الادوات و الوسائل و هي في الوقت ذاته ادوات السياسة النقدية ، و يكون الغرض من استخدام هذه الادوات ، التأثير في كمية و نوعية الائتمان المصرفي أو بمعنى اخر التأثير في حجم واتجاه الائتمان المقدم الى القطاعات الاقتصادية المختلفة على اساس ، ان هذا التأثير سيترك اثره في عرض النقد ، خاصة و ان المصارف التجارية لها دور مهم في تكوين مقدار عرض النقد ، لمالها من قدرة على التوسع أو الانكماش في منح وقبول القروض الائتمانية ، و هذا التأثير في مكونات و حجم عرض النقد يترك اثاره على المستوى العام للاسعار ثم في النهاية يترك آثاره على قيمة العملة الوطنية التي يسعى البنك المركزي الى تحقيق الاستقرار النسبي في قيمتها ليسهم في الوقت ذاته في تحقيق معدلات مناسبة من النمو الاقتصادي .
ثالثا : وظيفة البنك المركزي بنك الحكومة و مستشارها المالي.
( Central Bank Government Bank )
مارست البنوك المركزية مسؤولية كونها بنك الحكومة و مستشارها المالي منذ حصولها على امتياز حق اصدار العملة الوطنية واخذت الحكومات تحتفظ بحساباتها لدى بنوكها المركزية ، و تقوم الاخيرة بتنظيم مدفوعاتها و تقديم السلف و القروض قصيرة الآجل ، اثناء العجز الموسمي او المؤقت الذي يطرأ على الميزانيات السنوية ، و عند الحاجة الى القروض الاستثنائية كما تقوم البنوك المركزية باصدار القروض الحكومية العامة ( اصدار السندات ) ، و تولي خدماتها ، فضلا عن قيام البنك المركزي بالرقابة على الصرف الاجنبي و ادارة الاحتياطيات المالية الحكومية و تنظيمها و تقديم المشورة عند عقد القروض الحكومية الداخلية منها و الخارجية ، لهذا فهو يمارس وظيفة بنك الحكومة و وكيلها و مستشارها المالي .
وفي ضوء ما تقدم يمكن تحديد المهام التي يتولالها البنك المركزي باعتباره بنك الحكومة ومستشارها المالي وكما يأتي :
1-توفير العملة الوطنية بالكميات المناسبة للحكومة بهدف تمكينها من تمويل انفاقاتها الجارية والاستثمارية .
2- منح القروض قصيرة الاجل للحكومة لتمكينها من مواجهة العجز في ميزانيتها خاصة في الفترات التي تزداد فيها النفقات الحكومية مقابل تآخر جباية بعض الايرادات الحكومية (الرسوم الضرائب ) ، على ان تعيد الحكومة هذه المبالغ المقترضة في آجالها المحدد ة .
3-تقديم القروض متوسطة وطويلة الاجل الى الحكومة عن طريق اصدار السندات الحكومة ،وتولي مهمة ادارة هذه القروض من خلال قيام البنك المركزي كمستثمر في السندات الحكومية , أي مشتري لها .
4- منح القروض للمؤسسات و الهيئات الحكومية من اجل تمكينها من تمويل نفقاتها الانتاجية وخاصة في فترات الازمات الاقتصادية .
5- ادارة الدين الحكومي العام الداخلي و الخارجي نيابة عن الحكومة ، و يتمثل الدين الداخلي في حوالات الخزينة و السندات الحكومية و تتم هذه الخدمة من خلال قيام البنك المركزي ببيع هذه الادوات في الاسواق النقدية و الاسواق المالية ، و وفق ضوابط و شروط محددة تكون في مقدمتها مدى استيعاب هذه الاسواق لحجم القروض الحكومية .
اما ادارة البنك المركزي للدين الخارجي أي تسوية ديون الحكومة مع الاطراف الدولية سواء اكانت دول ام هيئات من خلال تحمل اعباء خدمة هذه الديون ( أي سداد اقساط الدين مع الفوائد المترتبة عليه) نيابة عن الحكومة و بدون اية عمولة.
6- ادارة الاحتياطيات النقدية و المالية الحكومية اذ يتولى البنك المركزي ادارة و رقابة كافة الموجودات الحكومية من ذهب و عملات دولية و تسوية المبادلات الخارجية على اساس السعار الصرف المحددة بين العملة الوطنية و العملات الدولية .
7- تقديم المشورة المالية و المصرفية للحكومة و ابداء الراي حول الاجراءات و التدابير المتخذة من قبل الحكومة في المجالات و السياسات الاقتصادية المختلفة و في مقدمتها السياستان النقدية و المالية .
رابعا: وظيفة البنك المركزي بنك البنوك و الملجأ الاحْير للاقراض
( Central Bank Lender of Last resort )
يتمتع البنك المركزي بمنزلة بنك البنوك من خلال قيامه بتقديم القروض و التسهيلات المصرفية لمؤسسات الجهاز المصرفي و للحكومة ايضا خاصة في اثناء الازمات الاقتصادية ، و عند اقتضاء الحاجة الى مثل هذه القروض بصفته المقرض الاخير للجهاز المصرفي ، أو كما جرت العادة على تسميته بـ ( الملجأ الاخير للاقراض ) ( The Lender of Last Resort ) كما ان الحكومة و بقية المصارف تعتمد عليه في الاحتفاظ بارصدتها و احتياطياتها النقدية لديه ، فضلا عن تكليفه بتسوية الحسابات المختلفة بين الجهاز المصرفي عن طريق اسلوب ( المقاصة ) .
ففيما يتعلق بكونه مجمع لأحتياطيات المصارف , فيلاحظ بانه قد تولى هذه المهمة تاريخيا عندما كانت عوامل اليسر و الملاءمة تحفز المصارف التجارية على ايداع فائض احتياطياتها النقدية لدى بنك الاصدار ( البنك المركزي فيما بعد ) ، و بصفة خاصة عندما كان يتولى مهمة تسوية الحسابات فيما بين اطراف الجهاز المصرفي , و لقد ترتب على ايداع الاحتياطيات النقدية الفائضة عن حاجة المصارف لدى البنك المركزي تجميع هذه الارصدة في مجمع واحد ( البنك المركزي ) ووضعها تحت تصرف المصارف بمجموعها بهدف سد حاجة كل واحد منها من الارصدة النقدية و بحسب تقدير البنك المركزي لهذه الحاجة على ان لا تتعارض تلبيته لهذه الحاجات مع اهداف وظيفته السابقة الذكر كرقيب على الائتمان المصرفي .
ان تجميع هذه الاحتياطيات لدى البنك المركزي تؤمن سيولة الجهاز المصرفي من خلال تحويل الفائض الى وحدات العجز ، ولقد تحول الامر فيما بعد الى قيام المصارف التجارية بحكم القانون أو الاعراف المصرفية السائدة الى ايداع نسبة من ودائعها لدى البنك المركزي والمعروفة بنسبة الاحتياطي النقدي القانوني (Required Legal Reserve) و قد اصبحت هذه النسبة اداة من ادوات البنك المركزي في فرض رقابته المصرفية و الائتمانية على نشاط المصارف التجارية .
اما عن مهمته الاخرى كمقرض اخير للجهاز المصرفي و الائتماني من خلال تقديمه للقروض و التسهيلات المصرفية التجارية التي تتطلب منه ذلك , سواء كانت تلبيته لحاجتها عن طريق تقديم القروض المباشرة أو غير المباشرة ، مثل اعادة خصم الاوراق المالية المقدمة اليه من قبل هذه المصارف، أو قيامه بعمليات السوق المفتوحة ، بهدف المحافظة على سيولة النظام الائتماني أو الجهاز المصرفي ، كما قد يذهب البنك المركزي في تحقيق ذلك الى التعامل مباشرة مع الافراد والمشروعات .
اما عن اسلوب ( المقاصة ) الذي يقوم البنك المركزي ، فهي تعني تسوية حسابات المصارف بواسطة القيود الدفترية ، بعد تصفية الصكوك المسحوبة على كل مصرف من هذه المصارف ، مع قيمة الصكوك الصادرة لصالحه على المصارف الاخرى , بحيث يظهر في نهاية عملية المقاصة صافي رصيد كل مصرف بالمبالغ الدائن أو المدين الى بقية المصارف الاخرى , وان اجراءات المقاصة التي تتم في غرفة المقاصة ( Clearing House ) داخل البنك المركزي تساعد على تسوية المدفوعات بين اطراف الجهاز المصرفي دون الحاجة الى استعمال النقود لهذه الاغراض , مما قد يوفر قدرا من العملة المتداولة لغرض تسوية العمليات المصرفية , لهذا فان البنك المركزي يحتل مكانة بنك البنوك بحكم الخدمات والمسؤوليات التي يتولاها والتسهيلات التي يقدمها لبقية اطراف الجهاز المصرفي .