أسهمت التباينات المكانية في الظروف و الموارد المحلية لمناطق العالم في تطور فرع مهم من فروع الجغرافية هو الجغرافية الإقليمية الذي يتناول بالدراسة عناصر البيئة الطبيعية و الإنسان و مظاهر نشاطه في تكامل موضوعي واضح ضمن حيز جغرافي يشكل وحدة إقليمية تتصف
بخصائص طبيعية و بشرية و اقتصادية و كذلك اجتماعية و تاريخية معينة تميزها عن غيرها من الوحدات الإقليمية، مما أدى إلى ظهور نظرية التقسيم الإقليمي (الطبيعي و الاقتصادي و البشري... الخ )، التي لم تقتصر مهمتها على تحديد هذه الوحدات الإقليمية التي تتميز بالتجانس في الظروف
و الموارد الطبيعية و البشرية فحسب، بل تعدت ذلك إلى دراسة أسباب التباينات المكانية و مضمونها لهذه الظروف و الموارد و تطورها، و إبراز القوانين الناظمة لها، و كذلك دراسة المنظومات المكانية و تحديد بنيتها و توزعها و إظهار خصائصها و تطورها و استخدامها في حل القضايا العملية للتخطيط الإقليمي و الإدارة.
و تشكل الوحدات الإقليمية منظومات متكاملة تتألف من مجموع العناصر
الطبيعية و البشرية التي تتفاعل فوق مساحتها، و تظهر هذه الوحدات في أشكال معينة من حيث تنظيمها المكاني و علاقاتها الإنتاجية، و تتميز بتخصص اقتصادي مبني على أساس التقسيم الجغرافي للعمل، و تشكل هذه الوحدات المفهوم الأساسي لعلم الجغرافية الذي يقوم بتفسير قوانين تشكلها و كشف جوهرها، فضلا عن تحديد مكانتها في الدراسات الجغرافية.
لا بد لأي علم من العلوم بما فيها الجغرافية البشرية كي يسير في ركب
العلوم، و يواكب مسيرة التطور العلمي من تطويرٍ لعناصر منظومة البحث العلمي
التي يعد المدخل و المنهج من أبرزها، إذ تنعكس على تطويرها، و على تحديد
التحولات التي تجري فيها.