أحدهم يسرع بمنديله و قارورة الماء إلى سيارتك, و الثاني يتخذ من طاولة (العصائر و الغازات) محلاً لتجارته, و الثالث يقف على حافة الطريق الرئيسية ليبيعك تارة عطراً و تارة أخرى لعبة صغيرة... تظهر أجسادهم ملامح الفقر و العوز. هذا ما تراه أعيينا و لعل ما خفي أعظم فحين يرتفع الفقر في سعته و عمقه و لا عدالته تكون الحتمية الاجتماعية تقريباً مطلقة, فالطفل يكون مجبراً على العمل ليساعد الأسرة على العيش و هذا العمل سيكون حتماً مرهوناً بتخليه عن المدرسة من مدخل الأولويات, و هنا تظهر عالمية الفقر بمستوى عالمية هذه الظاهرة (عمالة الأطفال) التي لا تختلف أسبابها و مظاهرها في كثير من المجتمعات, كما أن آثارها لا تتوقف عند حدود الجوع و المرض بل تتعدى ذلك إلى جدل فلسفي قائم هو : (أكون أو لا أكون)؛ إذ يجد الواحد من هؤلاء الأطفال نفسه مضطراً لتدبر قوت يومه من أجل أن يعيش و من أجل هذا تراه يبحث عن إقامة توازنات تسمح له بتخفيف الضغط عليه من خلال اللجوء إلى المخدرات, و قد يقتضي الأمر به أن يدخل عالم العنف و الإجرام. و عبر صفحات هذا البحث ستعرض جملة من الأهداف و هي التعرف على أسباب عمالة الأطفال و أوضاعهم الاقتصادية و الاجتماعية و التعرف على بيئتهم و أوضاع أسرهم الاجتماعية و الاقتصادية و علاقتهم فيما بينهم و علاقة رب العمل معهم و نظرته لهم.