لم تكن الجودة من إبداعات هذا العصر الحديث، بل ضاربة الجذور عند العرب منذ القديم. و لقد بحثوا هذا الموضوع بشكل معمق في مؤلفاتهم العلمية، إذ كان الشعراء يجلسون و يتبارون في أسواق مكة المكرمة لاختيار أجودهم شعراً، و ذلك من قبل لجنة الجودة التي تحكم على شعرهم. و كان للمعاني - التي عليها مدار النظم و أحكامه - نصيب وافر من الجودة. و لقد أوفى الجرجاني هذا الموضوع حقه من البحث و الدراسة، الذي عاب على الجاحظ اهتمامه باللفظ الظاهر الذي لا يكون له أهمية إلا إذا كانت معانيه سامية. أضف إلى ذلك؛ أن الخط العربي له فضيلة كبيرة في اللغة، و لقد شرفه الله بقوله: ﴿ن و القلم و ما يسطرون ﴾( 1 ). إن قسم الله بهذا القلم، له من الشرف العظيم الشيء الكبير، و إن صاحبه يتبوأ مكانة عالية في الأمة. و إن الكاتب المعتبر هو المقرب من السلطان في معظم الأمور إن لم يكن كلها. و نظراً لما لعلامات الترقيم من أهمية كبيرة في اللغة، و ذلك لمعرفة فواصل الكلام و وصله، و بداية الكلام و نهايته، روعيت معايير الجودة في كل هذه الأمور السابقة، و حظيت بدراسة مستفيضة عند العرب قديماً.