تتمتع الإدارة العامة، في معرض ممارستها لمهامها، بالعديد من الامتيازات منها السلطة التقديرية، و التي تشكل روح الإدارة العامة و جوهرها، حيث تقتضي فاعلية الجهاز الإداري منح الإدارة هذه السلطة بغية مراعاة الظروف المتباينة و المتغيرة وصولاً لتحقيق الصالح العام. و يسلك المشرع حين يمنح الإدارة سلطة معينة أحد أسلوبين: فيه إما أن يحدد الشروط و الضوابط التي ينبغي على الإدارة إتباعها عند مباشرة اختصاصاتها، فتكون سلطتها في هذه الحالة مقيدة، و يكون عمليا مقصورًا على تطبيق القانون على الحالات التي تستوفي شروط هذا التطبيق. أو أن يترك للإدارة حرية التصرف لتقرر بمحض إرادتها، فيكون لها سلطة تقدير زمن و كيفية و ملائمة مزاولة اختصاصاتها و مباشرة صلاحياتها دون قيود. و تبدو أهمية التمييز فيما إذا كانت سلطة الإدارة مقيدة أو أنها تتمتع بسلطة تقديرية،بالنسبة لأركان القرار الإداري، باعتباره الوسيلة الأهم التي تستخدمه الإدارة عند ممارستها لاختصاصاتها، فتكون سلطة الإدارة مقيدة بخصوص ركني الاختصاص و الشكل. أما فيما يتعلق بأركان السبب و الموضوع و الغاية، فتلك تمثل الحقل الخصب للسلطة التقديرية. و كي لا تتحول السلطة التقديرية إلى عمل سيء يهدد حقوق الأفراد و حرياتهم، فقد توسعت رقابة القضاء الإداري على نطاق الملائمة في اتخاذ القرارات الإدارية، من خلال اعتماده نظريات متطورة تمثلت في نظريتي الخطأ البين و الموازنة بين المنافع والأضرار.