تُعَدُّ قضيَّةُ السَّرِقاتِ الشِّعريَّة من أقدم القضايا الَّتي اهتمَّ بها نُقَّادُنا القُدامى , و حَفلوا بها , و عالجوا التُّهم الَّتي تقاذفها الشُّعراء فيما بينهم في محاكم النَّقد, أو الَّتي بيَّنها عُلماء العربيَّة و كشفوها , و لا شَكَّ أنَّ هذه القضيَّة تمرُّ بإشكالاتٍ كييرةٍ , و مُتغيِّرات مُتعدِّدة , منها ما هو مُرتبطٌ بجوهر الشِّعر نفسه , ومنها ما هو مُرتبطٌ بالزَّمن و تغيُّراته مع ما يُرافقه من تحوّلات حضاريَّة ترتبط بالشَّاعر نفسه و المُتلقِّي أيضاً. و ذو الرُّمَّة واحدٌ من هؤلاء الشُّعراء , أَخَذ من سَابِقيه , و أَغار على بعض شِعْر معاصريه , و قد تنوَّعت سرقاته بين أخذه الشِّعرَ لفظاً و معنى , و بين اكتفائه بالمعنى دون اللفظ ( و هو ما يُسمَّى بالنَّظر و الملاحظة ) . وسَرقاته تجري على نوعين : النَّوع الأول ما هو واضحٌ بالقرينة, و الثاني ما ذكره العلماءُ , و نصُّوا عليه , و قد كان مُتناصاً مع غيره من الشّعراء , إمّا لفظاً و امّا مضموناً , و في أحايين تجمع تناصاته بين الاثنين معاً . على أنّ ذا الرُّمة قال إنه لا يجري في شعره على معاني غيرِه من الشُّعراء , و لا يَعُدُّ لقصائده مثالاً من شِعْر غيره , ولا يَحْذوها على شيءٍ سَمِعَه , و لكن ما يأتي لا يجري مع قوله بل ينقض ما قال.