Last Question
تتولد الحقول المغناطيسية بشكل عام بطريقتين:
- إما من خلال مواد مغناطيسية بطبيعتها مثل الحديد المغناطيسي
- من خلال الجسيمات المشحونة المتحركة
بالنسبة للحقل المغناطيسي الشمسي فإنه يتولد بالطريقة الثانية.
قلنا أن الشمس تكون في حالة بلازما أي جسيمات مشحونة (أيونات موجبة وإلكترونات سالبة) وبالتالي يتولد عن حركتها حقل مغناطيسي.
تتحرك الجسيمات المشحونة داخل الشمس بسبب درجة الحرارة المرتفعة للشمس, وحركة الشمس حول محورها بثلاث طرق وفق الآتي:
- تسبب حرارة الشمس المرتفعة حركة الجسيمات المشحونة, مما يؤدي إلى نشوء عدة حقول مغناطيسية والتي تكون ملتوية ودائرية.
- تسبب البلازما الحارة جداً, والتي تخرج من الشمس على شكل رياح شمسية في نشوء حقول مغناطيسية.
- يؤدي دوران الشمس حول محورها الدوران التفاضلي(Differential Rotation)إلى نشوء التواء وشد الحقول المغناطيسية.
تتفاعل حركات البلازما السابقة وتؤثر على بعضها بعضاً مما يؤدي إلى نشوء الحقل المغناطيسي الكلي للشمس.
يُعدّ الحقل المغناطيسي الشمسي سبباً رئيساً للعديد من الظواهر المتنوعة, التي تنضوي تحت عنوان النشاط الشمسيّ. وعلى حد قول باركر: " بعد مرور 4.6 بليون سنة ما تزال الشمس في حالة هيجان واضطراب على الرغم من انقضاء نصف عمرها تقريباً, ويُعدّ الحقل المغناطيسي هو السبب الرئيس لاستمرار هذا الاضطراب في الشمس ".
إنّ ما قاله باركر(Parker)عن الشمس صحيح تماماً, لأنّه في حال غياب الحقل المغناطيسي ستكون الشمس عبارة عن جسم بسيط فيه بعض الانحرافات البسيطة عن الشكل المتناظر الكروي, والناتجة عن الدوران التفاضلي وعن انتقال الأمواج والتذبذبات ضمنها, وتُعدّ هذه الظواهر هامشيّة مقارنةً مع الظواهر الحقيقية التي تحدث في الشمس, مثل البقع الشمسيّة والحلقات الكورونيّة و التوهجات الشمسية والشواظ الشمسي, وبالتالي لا يمكننا تجاهل الحقل المغناطيسي في أي بحث يتعلق بالشمس. على الرغم من أنّ الحقل المغناطيسي يُحجب في بعض الأحيان من قبل بعض الظواهر الأخرى مثل الغاز البارد نسبيّاً ضمن البقع الشمسية أو الغاز الحار جداً في تاج الشمس حيث تكون ملاحظتها أسهل من الحقل المغناطيسي.
...
- الانفجارات الشمسية (Solar Flares):
يمكن لسطح الشمس (طبقة الكرة المضيئة) أن يتمزق وبدون سابق إنذار وذلك بواسطة انفجارات هائلة من الطاقة تدعى الانفجارات الشمسية, والتي تحدث في المناطق النشطة على سطح الشمس, ولا يدوم هذا الانفجار أكثر من 10 دقائق حيث ترتفع درجة حرارة منطقة من تاج الشمس بحجم الأرض لتصل إلى حوالي ونتيجة هذه الانفجارات تصدر من الشمس أشعة X و (extreme ultraviolet)(EUV ).
كما تقوم هذه الانفجارات الشمسية بتسريع الجزيئات لسرعة تصل إلى سرعة الضوء وتقذفهم إلى خارج الشمس وإلى باطنها.
تتحرك الإلكترونات ذات السرعة الهائلة نحو الخارج بشكل لولبي حول الحقول المغناطيسية في أسفل تاج الشمس لتشع أمواجاً راديوية بينما تُصدر الإلكترونات المقذوفة إلى داخل الشمس أشعة X القاسية.
كما تنشأ البروتونات الطاقية من التفاعلات النووية وتقذف إلى داخل الكرة المضيئة والكرة اللونية وتُصدر أشعة غاما خلال هذه العملية. وتُعدّ الانفجارات الشمسية الأضخم في النظام الشمسي, حيث يتضمن كل انفجار إطلاق كميات كبيرة من الطاقة في مدة قصيرة نسبياً (بين 100 و1000 ثانية), والذي يمكن مقارنته مع انفجار 20 قنبلة نووية وطاقة اللهب الناتج عن مثل هذه الانفجارات تعادل 100 مليون طن من TNT.
والجزء الأساسي من هذه الطاقة يذهب إلى تسريع الإلكترونات والأيونات لسرعات قريبة من سرعة الضوء وهذه الجزيئات هي المسؤولة عن إصدار الأشعة الراديوية وأشعة غاما و أشعة X اللينة (soft X-ray) والقاسية (hard X-ray) من الشمس.
- الشواظ الشمسية (Prominences):
وتكون أبرد نسبياً من الانفجارات وهي موجودة فوق طبقة الكرة المضيئة, ويمكن أن تتمدد عبر الطبقات التالية, وتبقى لعدة أسابيع أو أشهر, ويمكن ملاحظة هذه الشواظ من خلال التركيز على الخط الطيفي الأحمر للهيدروجين في التلسكوب من على الأرض أو بملاحظة مواقع خطوط (EUV) الطيفية في الفضاء.
كما تظهر هذه الميزات المغناطيسية في حواف الشمس حيث تبرز في الخلفية المظلمة وتظهر كالتواءات تدعى الشعيرات في الكرة اللونية.
- الانبعاثات التاجية (Coronal Mass Ejections):
وهي نوع آخر من الانفجارات الشمسية تحمل ملايين الأطنان من الجسيمات المشحونة إلى الفضاء وتكون في معظم الأحيان مصحوبة بالانفجارات الشمسية و الشواظ الشمسية, ويمكن ملاحظتها باستخدام كوروناغراف (coronagraph) يعمل على حجب الكرة المضيئة و يسجل صور متعاقبة تاج الشمس و يقارن الألوان مع الجزيئات المكونة لها.
...
الشمس كرة غازية مؤلفة بمعظمها من الهيدروجين والهيليوم وتدور كما تدور الأرض حول محورها لكن الشيء المهم في الشمس هو الاختلاف في سعات الدوران ذات السرع المختلفة, فالغاز الموجود بالقرب من خط الاستواء الشمسي يدور
بشكل أسرع من الغاز الموجود بالقرب من قطبي الشمس, وهذا ما يؤدي إلى الدوران التفاضلي(المغزلي).
يستغرق هذا الدوران حوالي 25 يوم في المناطق الاستوائية الشمسية, و 35 يوم في المناطق القطبية الشمسية. وبالمعدل العام تتم الشمس دورة كاملة حول محورها خلال ما يقارب 30 يوم. ولكن الغريب في ذلك أن الأجزاء الداخلية تدور كما تدور الكرة الصلبة, ويدور ما نسبته 30% من الشمس (منطقة الحمل) دوراناً تفاضلياً فقط.
وهذا الدوران له أثر كبير في مغناطيسية الشمس.
...
بما أن الشمس عبارة عن وسط بلازمي فإننا نستطيع دراسته دراسة جهرية (باعتبار البلازما وسطاً مائعاً) أو دراسة مجهرية إحصائية ( باعتبار البلازما حركة كم هائل من الشحنات) فمن البديهي أن تنتشر في هذا الوسط أنواع كثيرة جداً من الأمواج تمت دراسة بعضها لبيان دورها في عملية تسخين الكرة اللونية و تاج الشمس وذلك بعد تولدها وانتشارها في الكرة المضيئة ولا يزال بعضها الآخر قيد الدراسة، ومن بين هذا البعض أمواج المغنيتوهيدروديناميك.
...
اكتشف فيزيائيو الشمس قبل أكثر من نصف قرن أنّ لتاج الشمس درجة حرارة عالية على غير المتوقع (تصل إلى 20 مليون كلفن) وذلك عندما درس كل من بنجت ادلن (Bengt Edl´en) و والتر جرورتن (Walter Grotrian) خطي Fe IX و Ca XIV في الطيف الشمسيّ.
...
يتم قياس الحقل المغناطيسي الشمسي بواسطة المركبات الفضائية والتي تكون على مسافات أكبر من حيث ( نصف قطر الشمس) مثل (مسابر هيليوس الفضائية) و أنّ جزءاً صغيراً من الحقل المغناطيسي الشمسيّ المتدفق من الشمس يمكنه الوصول إلى هذه المسافة.
يأخذ الحقل المغناطيسي في طبقة الكرة المضيئة شكل خيوط, وتتجمّع معظم الطاقة المغناطيسية في أنابيب تدفّق مغناطيسية, وتكون هذه التجمعات على شكل حزم متوازيّة تقريباً, وهي لا تغطي أكثر من كامل مساحة الكرة المضيئة, وتتدرّج ملاحظة أنابيب التدفق المغناطيسي على سطح الشمس من الصغير واللامع جداً (عناصر مغناطيسية) وحتى الكبير جداً والمظلم (البقع الشمسية). وتكون شدة الحقل المغناطيسي في هذه الأنابيب كحدّ وسطي.
يسير الحقل المغناطيسي بشكل منتظم بدءاً من قاعدة منطقة الحمل حيث يتولّد بالمولد الشمسي ليصل إلى طبقة الكرة المضيئة, ويظهر هنا على شكل بقع شمسية (Sunspots), ومن ثم يمتد إلى خارج الغلاف الشمسي ليصل إلى الهيليوسفير. وخلال مساره ينقل الحقل المغناطيسي الطاقة من داخل الشمس إلى تاج الشمس فيقوم بتسخين الطبقات عبر مساره كما يعمل على تسريع الرياح الشمسية .
تجدر الإشارة إلى أن الحقول المغناطيسية بالقرب من طبقة الكرة المضيئة تكون ملتوية ومعقدة ولكن بالابتعاد عن هذه الطبقة تأخذ اتجاهات محددة, وأن الحقل المغناطيسي الشمسي يكون أقوى عند أقطاب الشمس منه عند خط استواءها.
...
تُسمّى أكبر الانفجارات بالانبعاثات التاجية وهذه الانبعاثات يمكن أن تستمر عدة أيام, وتُقذف خلالها كمية هائلة من الطاقة, يحدث ما يشبه انفجار بركان شمسي ولكن بدل الحمم ينبعث غاز ساخن وسيل من الجزيئات المشحونة. كمية هذه المقذوفات يمكن أن تصل إلى عشرات ملايين الأطنان وتندفع بسرعة تفوق مليون كم في الساعة باتجاه المنظومة الشمسية . تصل هذه الكمية الهائلة من الجسيمات المشحونة إلى الأرض خلال يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير, وعندها سيضطرب عمل أجهزة المحطات الفضائية وأجهزة الاتصالات. يجذب الحقل المغناطيسي الأرضي هذه الجزيئات المشحونة إلى القطبين حيث يظهر ما يسمى الإشعاع القطبي.
...
تجري في الشمس ظواهر نشطة عديدة, منها العواصف المغناطيسية ومقذوفات الطاقة, وكلّ ذلك يبلغ الأرض وتصل جزيئات الطاقة إلى النظم الإلكترونية للأقمار الصناعية, ويطال تأثيرها أيضاً النظم الأرضية الكهربائية والإلكترونية, ويتجلّى ذلك في ظهور ما يسمى التيارات الجيومغناطيسية التي تسبب الأعطال في جميع هذه النظم.
وإنّ أضخم اندفاع إشعاعي ما زال يعيش في ذاكرة البشرية والذي حدث عام 1859. حيث حذر العالم الإنكليزي كارينغتون (Carrington R.) الجميع قبل يوم واحد من وقوع هذا الحدث الفلكي فقد رأى على سطح الشمس بقعاً كبيرة حتى إنه رسمها ولاحظ توهجاً أبيض حول هذه البقع خلال خمس دقائق وحاول بعد ذلك لفت انتباه زملائه الفلكيين ولكن أحد لم يأخذ قلقه على محمل الجد, بعد 17 ساعة وصل الإشعاع الذي ولّده الانفجار الكبير إلى الأرض و غدا النصف الغربي من
الأرض مضاءً في الليل كما لو كان نهاراً وانهمر من أجهزة التلغراف الشرر ولكن لحسن الحظ لم تكن الحضارة الإنسانية قد حققت بنية تحتية كبيرة كما هو الآن ولهذا لم يصب العالم بخسائر كبيرة.
ويمكن أن يتكرر هذا الانفجار الشمسي الهائل ولكن هذه الأحداث الكبيرة في الشمس لا تحدث إلا نادراً ويعتبر هذا الوميض هو الأقوى طيلة سنوات مراقبة الشمس.
...
الشمس هي مصدر والطاقة والدفء لاستمرار الحياة ، وهي نجم له قوانينه الخاصة التي تميّزه عن النجوم الأخرى، ولا يقتصر تأثيرها على النظم الفضائية فقط بل يتعدّى ذلك إلى النظم الأرضية الكهربائية والإلكترونية ويتجلّى ذلك في ما يُسمّى التيارات الجيومغناطيسية التي تُسبب الأعطال في معظم هذه النظم ونستذكر هنا الكارثة الشهيرة التي وقعت عام 1989 في مقاطعة "كيبك" الكندية عندما انقطعت الكهرباء عن هذه المقاطعة لمدة عشر ساعات وذلك بسبب العاصفة المغناطيسية الناتجة عن انفجارات في الشمس، مما دفع العلماء إلى مراقبة الشمس مراقبة دقيقة للتنبؤ بالعواصف الشمسية للعمل على التقليل من أخطارها.
...