يمكن القول بأن التأمين قد ظهر في وقت واحد مع ظهور المجتمع البشري وقد عرفت البشرية نوعين من الأنظمة الاقتصادية في المجتمع البشري:
1-الأنظمة المالية (بالأسعار الجارية,النقود,أدوات ووسائل مالية وسواها).
2-الأنظمة غير المالية أو الأنظمة الاقتصادية الطبيعية (بدون نقود, أسعار جارية, أدوات مالية وسواها) وإن النوع الثاني هو الشكل الأكثر قدماً من النوع الأوَّل.
وفي مثل هذا الاقتصاد يمكن أن نرى بأن التأمين قد وجد على شكل مساعدة الناس لبعضهم البعض فعلى سبيل المثال لو أن بيتاً قد دمِّر بسبب الحريق فإن أعضاء الجماعة سيساعدون على بناء بيت جديد وكذلك لو أن الشيء نفسه قد حصل لأحد الجيران فإن بقية الجيران سيساعدونه وقد بقي هذا النمط من التأمين ساري المفعول إلى الوقت الحاضر في بعض الدول كون الأنظمة المالية الحديثة مع وسائلها وأدواتها المالية لم تكن منتشرة بشكل واسع فيها".
"وتعتبر جمعيات دفن الموتى التي كونها قدماء المصريين منذ آلاف السنين صورة من الصور البدائية لفكرة التأمين, أيضاً تعتبر فكرة التعاون أو التكافل المطلق التي سادت بين أفراد كل تجمع من تجمعات الإنسان الأولى لمواجهة خطر الحريق و العمل على تقليل أضراره لمن أصيب به هي البذرة الأولى لفكرة التأمين".
"و يمكننا أن نوجز التسلسل التاريخي لانتشار صناعة التأمين في مختلف دول العالم بالتالي:
1) برشلونة كانت أول مدينة سنت شرائع التأمين سنة 1435أصدرت مرسوم بهذا الخصوص.
2) إيطاليا سنة1549.
3) بلجيكا سنة 1549.
4) وهكذا أخذت مؤسسات التأمين تتسع حتى أصبح عددها بالآلاف في العالم.
5) أول شركة تأمين تأسست في الولايات المتحدة سنة 1759.
6) أول بوليصة تأمين تأسست على الحياة أصدرت سنة 1853 في إنكلترا.
7) أول شركة تأمين تأسست في القاهرة كانت شركة جري شام سنة 1866 واضطرت الشركة لكي تعمم مبدأ التأمين بالاستعانة بمفتي المملكة الشيخ محمد عبده في سنة 1903 لأن الناس في ذلك الحين كانوا ينظرون إلى التأمين خصوصاً على الحياة بأنه ضد التعاليم السماوية لأن الحياة بيد الله".
وتعتبر نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الفترة الحقيقية لبداية تاريخ التأمين ممثلاً بالتأمين البحري. وقد بدأ ظهور التأمين البحري في إيطاليا ثم انتقل إلى بقية دول العالم نتيجة نمو وازدهار التجارة الخارجية والتبادل التجاري بين دول العالم. وقد صدر أول تشريع لتنظيم التأمين البحري مع بداية القرن السادس عشر وذلك في سنة 1601", حيث توفرت الإحصاءات التي أمكن على أساسها تقدير الخطر تقديراً كميّاً و بالتالي ظهر التأمين البحري باعتباره أقدم أنواع التأمين في صورته الحديثة.
"أما التأمين ضد أخطار الحريق فقد ظهر في انكلترا بداية القرن السابع عشر بعد حريق لندن الشهير عام 1666م, الذي دمّر 85% من مباني المدينة وتسبب بخسائر جسيمة بلغت أكثر من 10ملايين جنيه إسترليني ذلك الحين, ثم زاد الاهتمام بهذا الفرع من فروع التأمين لدرجة أنه أُنشئت مؤسسات تأمين مساهمة تخصصت بالقيام بالتأمين فقط ضد خطر الحريق".
"وفي فرنسا حظر المرسوم الملكي لعام 1681 التأمين على الحياة باعتباره مضاربة ومقامرة على حياة الإنسان الأمر الذي ينافي الآداب العامة", "بعد رفضه من قِبَل الكنيسة الكاثوليكية ولكن شكلاً آخر من التأمين كان مُتَدَاولاً أُطْلِق عليه اسم "التونتين"LaTontine"",افتقر إلى الأسس القانونية والفنية للتأمين,والأساس الوحيد الذي بُني عليه هو الرهان على حياة الأشخاص ,ويقوم هذا النظام على الاتفاق بين مجموعة من الأشخاص في الغالب خمسة عشر شخصاً,على دفع اشتراك سنوي لفترة زمنية محددة, على أن يتقاسم من يتبقى على قيد الحياة من هؤلاء لمجموع المبلغ ,وفي حال وفاة آخر مشترك قبل الفترة المحددة ,تعود الأموال إلى الدولة باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدارة هذا النظام.
واستمرت نظرة العداء إلى التأمين على الحياة في فرنسا حتى صدور فتوى من قِبَل مجلس الدولة الفرنسي عام 1818بقبول هذا النوع من التأمين ,وقد ساهمت الثورة الصناعية الحديثة بالدور الأكبر لعملية انتشار التأمين في أوروبا ,حيث أدت إلى انتشار الفردية وانهيار التضامن الأسري, وهكذا نشأت الحاجة إلى التأمين في العصور الحديثة".
"ومن الجدير بالذكر أن أول عقد تأمين على الحياة هو عقد تأمين سجل في لندن عام 1583 على حياة شخص اسمه جيبونيز وكان المؤمنون فيه 16 تاجراً من تجار لندن وقد كان عقد التأمين لصالح أحد المحامين اسمه ريتشارد مارتن وبمبلغ قدره 383 جنيه إسترليني و بقية أنواع التأمين من الصعب جداً تحديد أين ومتى بدأ كل منها بدقة".
وهناك ما يؤكِّد أن التأمين على الحياة قد ظهر في نفس الوقت الذي ظهر فيه التأمين البحري وذلك لأن عقود التأمين البحري المشار إليها قد تضمَّنت أيضاً التأمين على حياة القبطان والبحارة بنفس أسعار تأمين البضاعة والسفينة, ولكن مع ظهور الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر وتطور العمليات الإنتاجية, وأيضاً ًتطور وسائل النقل ظهر التأمين على الحياة الصناعي, وظهرت أهمية تأمين الحوادث الشخصية والتأمين الجماعي, ومع بداية القرن العشرين اتسع نطاق العمليات التأمينية وظهرت أنواع جديدة من التأمين مثل التأمين ضد السرقة, تأمين الطيران,تأمين السيارات .
"أما أول اهتمام بشؤون الطبقة العاملة فقد كان في ألمانيا سنة 1878م من قبل الحكومة بزعامة قائد الحركة العمالية ماركس وقد أصدر بسمارك في عام 1898م القانون الخاص بتأمين الشيخوخة والعجز الدائم, ثم أخذت هذه الفكرة بالانتشار لتشمل باقي دول العالم وبهذا الانتشار أصبح التأمين الاجتماعي مُطَبَّقَاً في أغلب دول العالم".
"كذلك ظهرت في هذه الدول فكرة الضمان الاجتماعي للعاجزين و غير القادرين على العمل والذين لا ينتمون لأي فئة محددة من الأعمال إلا أن الدور الكبير الذي أولي لقطاع التأمين يرجع الفضل فيه إلى الاقتصاديين من حيث إظهارهم للمنافع الاقتصادية التي تعود على الفرد والجماعة من جراء عمليات التأمين, فلقد كان لهم السبق في إبراز الآثار الاقتصادية للتأمين على كل فرع من فروع النشاط الاقتصادي سواء منها الإنتاجي أو قطاع الخدمات.
فنظام التأمين يعمل على تحقيق نوع من الأمان و الثقة لدى القائمين بعمليات الإنتاج والمرتبطين به, كما توفر الحماية لأصحاب رؤوس الأموال و يبعد عنهم الخوف والتردد عن الدخول في نشاط معين, وكذلك يستطيع هذا القطاع أن يوفر التمويل اللازم لهم. يضاف إلى ما سبق ذكره الخدمات التي يؤديها نظام التأمين للاقتصاد القومي في صورة تجميع قدر كبير من المدخرات وبذلك فإن هذا القطاع يساهم في تمويل جانب لا بأس به من مشروعات التنمية الهامة في العديد من دول العالم".
"أما عن تطور التأمين في الدول النامية, وخاصة دول المشرق العربي فلم يُعرَف نظام التأمين إلا متأخِّراً وبخاصة بعد القرن التاسع عشر الميلادي,عندما بدأ الاتصال والتبادل التجاري بين بلاد المشرق العربي وبلاد المغرب ينمو في صورة مبادلات وصفقات تجارية لذلك كان التأمين البحري على البضائع الحكومية من البلاد الأوربية هو أول أنواع التأمين التي عرفتها بلادنا العربية. وفي مجال الفكر الاقتصادي فإن المدخرات التأمينية تشكل إحدى بواعث الطلب الفعَّال عند كينز (باعث الاحتياط), فالتحليل الكينزي في مجموعه يعتبر تحليلاً ديناميكياً يدخل في حسابه عنصر التوقّعات وما تحمله هذه التوقعات من أخطار فتدفع الأفراد إلى اكتناز جزء من ثروتهم ليتمكنوا من دفع هذه المخاطر".
"كذلك يلجأ هؤلاء الأفراد إلى ادخار جزء من ثروتهم في صورة عمليات تأمينية تدر عليهم عائداً في بعض الأحيان وتدفع المخاطر التي يتعرضون لها و أنشطتهم الخدمية والإنتاجية في جانب آخر لهذا ترتقي احتياجات التأمين إلى مرتبة المدخرات في التحليل الاقتصادي الكلي, و قد تأخذ شكل التأمين الإجباري بحكم القانون مثل التأمينات الاجتماعية والتأمينات ضد إصابات العمل كما يمكن أن تأخذ شكل التأمين الاختياري وهذا النوع من التأمين يقوم به الأفراد و المنشآت طواعية لما يوفره من عناصر الأمان الاقتصادي و يدفع بعجلات الإنتاج قدماً إلى الأمام بل إن مدخرات قطاع التأمين تلعب دوراً أساسياً في الوقت الحاضر في كثير من الدول الصناعية المتقدمة و الدول النامية – وتعد أحد مصادر تمويل المشروعات المرتبطة بالنمو الاقتصادي و التنمية الاقتصادية في تلك الدول.
وعليه فإن قطاع التأمين يعد أهم قطاعات الاقتصاد التي تلعب دوراً مؤثراً في دفع المخاطر الاقتصادية و غير الاقتصادية للأنشطة الاقتصادية المختلفة من ناحية و أحد مصادر تمويل التنمية الاقتصادية و الاجتماعية من ناحية أخرى".