دفعتنا جملة من الأسباب لاختيار موضوع البحث، أهمّها حقيقة أن كل إنسان يمثل قيمةَ متفردةَ في حد ذاته وأن عملية إعادة الإعمار هي عملية شاملة لا بد لكل أطياف المجتمع من المشاركة فيها ونبذ الخلافات ومفاهيم العنف والانتقام والسعي وراء المكاسب الشخصية، لنصنع من الألم والدّمار سوريّة قوية يحيا فيها جميع أبنائها. وهو أمر ليس بالصعب فقد فعلتها ألمانيا واليابان قبلاً على سبيل المثال، إلا أن ظروف سوريّة تبقى أفضل بكثير وبالتالي لن تكون بدايتها من الصفر بطبيعة الحال، فهي دولة فتية تتكافئ فيها نسب الموارد مع التعداد السكاني، كما أن ملايين السوريين الذين غادروا البلاد قد خاضوا تجاربهم الشخصية في الخارج واكتسبوا المعارف والعلوم والخبرات التي من شأنها أن تساهم في نهضة بلادهم. فالإيمان بالإنسان واعتماد التقانة والابتكار والعلم كنهجٍ للتنمية لا بد له من خلق دولة ذات عماد وبنيان قوي قد ترتقي بسوريّة من مصاف دول العالم الثالث إلى الأول منه. ومن هنا تكمن أهمية إدارة عملية عودة السوريين من بلاد اللّجوء بشكل صحيح، فالفشل في تحقيق إعادة الإندماج له نتائج خطيرة أكثر من ظاهرة اللّجوء نفسها، قد تؤدي ربما إلى غرق البلاد باقتتال طائفي وحروب أهلية لا تنتهِ. يُعنى البحث بتغطية جانبين اشكاليين، الجانب الأول يمثل الشق النظري من الرسالة والذي لم يكن مجرد سرد وتلخيص لمفهوم العودة وآلياته أو شرح لتقانة القياسات الحيوية وآفاق استخدامها في هذا السياق فحسب، بل كان عبارة عن دراسةٍ تحليلة تمخضت عن رصدٍ للواقع والتطورات العملياتية والدّولية بما يخص الأزمة في سوريّة وذلك حتى تاريخ تسليم الرسالة، إضافة إلى مسح كافة التقارير والدراسات والمقالات ذات الصلة، وقد أفرز هذا القسم جملة من النتائج والتوصيات ذات الأهمية في وضع خطط واستراتيجية لتنظيم عودة السوريين المستدامة إلى بلادهم. أما الجانب الثاني فكان الهدف منه التعرف إحصائياَ على تجربة استخدام القياسات الحيوية في مسح السمات البيولوجية لشريحة من اللّاجئين المقيمين في سوريّة، بهدف الإحاطة بجوانب توظيف هذه التقانة ضمن السياق السوري الداخلي، وتقييم ورصد نقاط الضعف والقوة في هذا النظام وذلك من وجهة نظر اللّاجئين أنفسهم.