تمثِّل ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، و تختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. كما أنَّ الآثار المدمِّرة و النتائج السلبية لتفشِّي هذه الظاهرة تطال كل مقوِّمات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الثروات و تعرقل أداء المسؤوليات و إنجاز الوظائف و الخدمات. هذا يعني أن ظاهرة الفساد تشكِّل منظومة تخريب و إفساد و تأخير في عملية البناء و التقدُّم ليس على المستوى الإداري و المالي فقط، بل في الحقل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. مما يحتِّم إنشاء نظام رقابي فعَّال مستقل مهمَّته الإشراف و متابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء و الموظَّفين العاملين في كل وزارة و مؤسَّسة. من هنا جاء هذا البحث للوقوف على دور الرقابة الإدارية في مكافحة الفساد في الشركات الصناعية في سورية (و كمثال عن هذه الشركات تمَّ تطبيق البحث على شركة طرطوس لصناعة الإسمنت و مواد البناء) من جهة و لتقييم أهم المسبِّبات الرئيسة للفساد و هي الضعف و القصور في الإجراءات و العمليات الرقابية من جهة ثانية. حيث تطرَّقت الباحثة إلى مفهوم الرقابة الإدارية و أهميّتها، و إلى ظاهرة الفساد الإداري و مسبِّباتها، و كيفيَّة التصدِّي لها، بالإضافة إلى أهميَّة الرقابة في مكافحة الفساد. كما توصَّلت الباحثة في نهاية هذا البحث إلى مجموعة من الاستنتاجات و أهمّها: لا تنسجم أساليب الرقابة الإدارية المستخدمة في شركة طرطوس لصناعة الإسمنت و مواد البناء مع الأساليب الكمية الحديثة و وسائل الرقابة التحليلية المتناغمة مع التطورات التكنولوجية و ثورة المعلوماتية. في نهاية البحث تقدَّمت الباحثة بمجموعة من المقترحات و التوصيات و كان أهمُّها: ضرورة معالجة العوامل التي تساهم في تدنِّي مستوى الرقابة، و المتمثِّلة في ضعف التخطيط الفعَّال لإجراءات الرقابة، و غياب المساءلة و العدالة التي يمكن أن تكون سبباً في انتشار الفساد.