لم يعد يكفي من سياسة العقاب أن تحقق مصلحة ردع الجناة و درء المفسدة عن المجتمع، بل أخذت التشريعات اليوم تهتم بحال الجاني بعد العقاب و بكيفية معالجة الآثار التي تركتها الجريمة السابقة و العقوبة المنفذة في أهليته و حقوقه ليعود عضواً نافعاً في المجتمع. و الشريعة الإسلامية هي شريعة العدل و الإحسان، و لا يتوافق الجرح الأبدي للأهلية، و الانتقاص الدائم من الحقوق مع قواعدها الرامية لحفظ مصالح الإنسان، و صون كرامته، فلا جرم أننا نجد في أحكامها و قواعدها الوسائل الي تراها كفيلة بتحقيق الرعاية اللاحقة للمحكومين و إعادة تأهيلهم، و محو الآثار التي تركتها العقوبات في أهليتهم. و هذا البحث يرمي لدراسة أثر التوبة المستوفية لأركانها و شروطها في علاج ما تتركه الجريمة و العقوبة من آثار في عدالة الجاني و أهليته للولايات العامة كأهلية الشهادة و القضاء. و قد اتفق الفقهاء على قبول توبة من نفذ عقوبته، و عودة عدالته في عقوبات الحدود و القصاص و التعزير جميعها، و لكن جرى الخلاف في عودة أهلية الولاية للمحكوم إذا تاب في حالة المحدود في القذف، و شاهد الزور، و أهلية المحدود للشهادة فيما حد فيه، و هي المسائل التي تناولها هذا البحث بالدراسة الفقهية المقارنة.