تحتوي التربة المالحة على أنواعٍ عديدة من الأملاح سهلة الذوبان التي تتكون من أيونات الصوديوم والكالسيوم والمغنزيوم والكلور والكبريتات والبيكربونات والنترات وغيرها ويرتبط تركيز هذه الأيونات بشكل وثيق مع الضغط الحلولي لمحلول التربة الذي يحدد مدى مقدرة جذور النبات على امتصاص الماء. كما إن تركيزاً عاليا من الأملاح الذائبة في التربة يقلل من إتاحة الماء فيزيولوجيا ويسبب تراكماً مختلفاً للأيونات في النبات ويصل إلى مستويات سامة.
وتتجلى ملوحة التربة والمشاكل المتعلقة بها في المناطق الجافة وشبه الجافة ، في قلة كمية الأمطار الهاطلة لغسل الأملاح الذائبة من التربة ، أو أن صرف التربة السطحي و/أو تحت السطحي غير فعال أيضاً تظهر المشاكل المتعلقة بالملوحة في الأراضي المروية ، خاصة عندما تكون مياه الري المستعملة سيئة النوعية
هناك العديد من الأيونات شائعة الانتشار في الترب المالحة والمعروفة بارتباطها المباشر بملوحة التربة ومن أهمها أنيونات الكلور Cl- ، والكبريتات SO4-- ، والبيكربونات HCO3- ، والنترات NO3- ( في بعض الأحيان ) ، وكاتيونات الصوديوم Na+ ، والكالسيوم Ca++ ، والمغنزيوم Mg++ ، والبوتاسيوم K+ ( في بعض الأحيان ). ومن المرجح وجود تأثيرات متباينة للأملاح المختلفة في النبات ، غير أن معظم الدراسات المتعلقة بتحمل النباتات للملوحة تقتصر على دراسة تأثير كلور وكبريتات كل من الصوديوم والكالسيوم والمغنزيوم والبوتاسيوم في نمو النبات وإنتاجه ولقد وجد أن ترتيب درجة السمية للأيونات المختلفة لا يتغير بتغير طور نمو النبات وأن أنيوني الفوسفات والكبريتات كانا أقل ضررا من الأنيونات الأخرى على أطوار النمو المبكرة والمتأخرة على حدٍ سواء . وكان أنيون الكربونات متوسط السمية ، في حين أظهر أنيون البيكربونات ضررا شديداً على النمو. أما تأثير أنيوني النترات والكلور على النمو النباتي فلقد كان أشد ضرراً في أطوار النمو المتأخرة مقارنة بأطوار النمو المبكرة. ويرى بعض الباحثين أن أنيون الكلور أكثر سميةً على النبات من أنيون الكبريتات في حين يكتسب أنيون البيكربونات مستوى أعلى من الأهمية بسبب ميله لجعل الكالسيوم والمغنزيوم إلى حد ما غير متاحين بترسيبهما من محلول التربة على شكل كربونات .
وتقسم الترب المتأثرة بالأملاح عموماً إلى ثلاث مجموعات اعتماداً على كميات الملح وأنواع الأملاح المتزهرة على سطح التربة. ويعتمد هذا التصنيف على قيم الناقلية الكهربائية ECe لمستخلص العجينة المشبعة للتربة ، وpH التربة ، والنسبة المئوية للصوديوم المتبادل ESP
جدول تصنيف الترب المالحة و القلوية
التصنيف |
ECe (ديسسمنز/م) |
pH |
ESP % |
الحالة الفيزيائية للتربة |
مالحة |
< 4 |
> 8.5 |
> 15 |
طبيعية |
قلوية |
> 4 |
< 8.5 |
< 15 |
سيئة |
مالحة - قلوية |
≤ 4 |
≥ 8.5 |
≤ 15 |
طبيعية |
ويقصد بالترب المالحة كل تربة تحوي كمية مرتفعة من الأملاح الذائبة إلى درجة يمكن أن تكون فيها مؤذية لإنبات البذور ونمو النبات ، وتكون هذه الترب غالبا بحالة فيزيائية طبيعية وتتصف ببناء جيد ونفاذية جيدة ، ويكون نمو النبات فيها غير منتظماً ، وقد يظهر على سطحها قشور بيضاء ، وغالبية هذه الأملاح عبارة عن كبريتات و/أو كلوريدات كالسيوم ومغنزيوم ، حيث تعد الترب الحاوية عليها من أسهل أنواع الترب المتأثرة بالملوحة في عملية الاستصلاح فيما إذا توفرت مياه ذات نوعية جيدة مع صرف جيد . ولا يتم استصلاح الترب المالحة بالمصلحات الكيميائية أو الأسمدة لوحدها ، وإنما يمكن أن يتم ذلك عن طريق إضافة كمية مياه كافية وذات نوعية جيدة لغسل الأملاح الزائدة من التربة مع السماح للتربة بأخذ الوقت الكافي لإتمام عملية الغسيل بعد كل إضافة ومن أجل استصلاح ناجح ، يجب أن تنخفض الملوحة بالغسيل في الطبقة السطحية للتربة وبعمق يصل إلى 45- 60 سم إلى ما دون قيمة العتبة الملحية للمحصول ، وتعد عملية غسيل الأملاح أسلوباً مميزاً لاستصلاح الأراضي البور المالحة .
وتتصف الترب القلوية بكونها قليلة المحتوى من الأملاح الكلية الذائبة ، لكنها عالية المحتوى من الصوديوم المتبادل مما يؤدي إلى تفرق الحبيبات و يجعل التربة صعبة الحراثة وغير نفوذة للماء في الحالة الرطبة ، ويكتسب سطحها قشرة صلبة عند جفافها. وتحد هذه التربة من نمو أغلب النباتات ، ومن الممكن استصلاحها لكن عملية الاستصلاح سوف تكون بطيئة ومكلفة . ويعتمد استصلاح هذه الترب أولا على استبدال الصوديوم القابل للتبادل بكاتيون الكالسيوم ، ومن ثم غسل كاتيون الصوديوم من قطاع التربة . ويمكن أن تتم عملية معالجة هذه الترب بإحلال Ca++ محل Na+ عن طريق استخدام العديد من المواد كالجبس ، وزهر الكبريت ، وحمض الكبريت ، وكلوريد الكالسيوم .
وتنشأ الظروف القلوية في أغلب الأحيان عندما يكون تركيز الصوديوم في مياه الري أعلى من تركيز الكالسيوم والمغنزيوم مع وجود تراكيز عالية للبيكربونات. وعندما تمتص النباتات الماء فان الأملاح ستبقى في التربة وتصبح مركزة مما يؤدي إلى ترسب الكالسيوم على صورة كربونات الكالسيوم ، بينما يبقى معظم الصوديوم ذائباً في محلول التربة الأمر الذي ينعكس على نسبة ادمصاص الصوديوم ( SAR ) فالترب الملحية – القلوية تتصف باحتوائها على تراكيز منخفضة من الكالسيوم والمغنزيوم ، ومتوسطة من الكربونات ، وعالية جداً من الصوديوم .
إن وجود الصوديوم المتبادل بكميات زائدة في التربة يؤدي إلى تدهور كبير في بناء التربة ينجم عنه انخفاض واضح في نفاذية التربة بسبب تشكل القشرة السطحية و انتباج الطين وتفرقه ، الأمر الذي ينعكس سلباً على كمية الماء المتاح للنبات وقد يمنع الانغسال الكافي للأملاح من التربة . كما يؤدي ارتفاع محتوى التربة من الصوديوم المتبادل إلى إعاقة حركة الهواء والماء خلال التربة . ويعتقد أن احتواء التربة على تراكيز ضارة من الصوديوم والكلور قد يؤدي إلى موت الأشجار وأغلب المحاصيل الحقلية والعلفية ، وتظهر أعراض السمية عندما تتجمع كميات كبيرة من الصوديوم والكلور في الأوراق.
ومن الممكن أن تكون التربة ملحية – قلوية عندما تحوي كمية كبيرة من الأملاح الكلية الذائبة ( ECe > 4 ديسسمنز/م ) والصوديوم المتبادل (ESP > 15% ) ، إضافة إلى ارتفاع درجة تفاعلها pH > 8.5 . وتبقى الصفات الفيزيائية لهذه الترب جيدة ما دامت الأملاح الذائبة موجودة وعند استصلاح هذا النوع من الترب لا بد أن يكون غسل الأملاح الزائدة مصحوباً باستبدال الصوديوم القابل للتبادل مع الكالسيوم ، فغسل الأملاح الزائدة بدون استبدال الصوديوم المتبادل يؤدي إلى تدهور التربة وتحولها إلى تربة قلوية كما أن نمو النبات وإنتاجه يكون متأثراً في هذه الترب ، لكن تطبيق الإجراءات الهادفة إلى استصلاح هذه الترب والإدارة الصحيحة لها يمكن أن يساهم في تحسين ظروف النمو النباتي فيها .
وقد ذكر أن عملية استصلاح الترب المتأثرة بالملوحة والقلوية معاً تتم خلال سنوات عديدة بحيث تضاف في البداية كميات كبيرة من المصلحات ثم تخفض لاحقا حسب الحاجة ، وعادةً ما يكون استصلاح هذه الترب أعلى تكلفةً من استصلاح الترب المالحة بسبب الحاجة لاستبدال الصوديوم المتبادل بالكالسيوم الذي يتطلب إضافة مصلحات كيميائية يرافقها إجراء عمليات غسيل للتربة .
وتتصف الترب الملحية- القلوية بسوء نفاذيتها ، وتتطور هذه الترب تحت تأثير الاستعمال المستمر لمياه ري تحوي تراكيز عالية من الصوديوم ، ومنخفضة من الكالسيوم والمغنزيوم كما أن استخدام مياه ري مالحة سوف يؤدي إلى زيادة الصوديوم المتبادل ونقصان الكالسيوم المتبادل. وأشارت نتائج إلى أن إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي المالحة في الري سببت تشكل الملوحة المتوسطة القلوية للتربة المزروعة بمحصول القطن ، وتشكل الملوحة المنخفضة القلوية للتربة المزروعة بمحصول الذرة الصفراء .
وقد ذكر أن التركيز العالي من الصوديوم والكلور في النباتات ضار بسبب التغير الذي يحدثه في الميزان المائي ، والتأثير الأيوني النوعي ، وإضعافه لمعدل انتقال المواد المذابة. وفي دراسة تمت على محصولي القمح والبطاطا مزروعة في تربة مالحة – قلوية تبين أن هناك زيادة في كمية الصوديوم المدمص على غرويات التربة ونقص في كمية الكالسيوم والمغنزيوم المتبادلين وترسيب لكربونات الكالسيوم والمغنزيوم ، وبينت هذه الدراسة أن البطاطا أكثر حساسية من القمح لملوحة التربة ، وأن النمو كان في الترب اللومية أفضل منه في الترب الطينية.
يعد ملح كلوريد الصوديوم من أهم الأملاح التي تؤثر في نمو النبات ، ويعتبر كثير من الباحثين أن هذا الملح ضار جدا حيث يؤثر في امتصاص العناصر المعدنية من قبل النبات ومن خلال ذلك يؤثر في التوازن الأيوني ( كاتيون – أنيون ) في النبات و يؤثر الكلور على إتاحة النترات للنبات ، بينما يؤثر الصوديوم في إتاحة الكالسيوم و البوتاسيوم مما قد ينتج عنه عوز بهذين العنصرين مسببا خللا في عملية الانقسام الخلوي ، وفي مختلف العمليات الفيزيولوجية والتوازن المعدني خصوصا ما يتعلق بعنصر البوتاسيوم الذي يلعب دوراً هاماً في تنظيم الضغط الحلولي للنبات. إن نسبة الصوديوم إلى البوتاسيوم Na/K في الأنسجة النباتية تعد من النسب الهامة ، وفي كثير من الأحيان تدل على مدى تحمل النباتات للملوحة ويبدو أن تحمل صنف معين أو نوع نباتي ما للأملاح مرتبط بقدرة هذا النوع على تنظيم امتصاص شوارد الـNa+ أو Cl- أو قدرته على تحمل تراكيز عالية من الكلور في الأوراق دون حدوث أضرار لها ، وان زيادة الضغط الحلولي لمحلول التربة نتيجة زيادة محتواه من الأملاح الذائبة يزيد من الطاقة التي يجب أن يبذلها النبات لامتصاص الماء من التربة ، فتزداد – تبعاً لذلك - وتيرة التنفس ويتناقص نمو النبات كذلك إنتاجيته مع زيادة تركيز الأملاح الذائبة. كما أن زيادة تركيز شوارد معينة يؤدي إلى تقليل أو منع امتصاص شوارد أخرى بفعل ظاهرة التضاد Antagonism ، فزيادة تركيز شوارد الكبريتات مثلاً يقلل امتصاص النبات للكالسيوم ولكنه يزيد من امتصاص الصوديوم وهذا يمكن أن يؤدي للتسمم بأيون الصوديوم في بعض الأنواع النباتية الحساسة ، كما أن زيادة تركيز الكالسيوم يؤدي إلى التقليل من امتصاص البوتاسيوم .
تشكل ملوحة التربة أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في نمو وإنتاجية المحاصيل في المناطق الجافة وشبه الجافة ، ويتجلى ذلك من خلال تسببها في نقص الماء المتاح ، وفي عدم توازن المغذيات ونتيجة سمية بعض الأيونات . وتؤدي الملوحة في محاصيل الحبوب إلى خفض عدد السنابل ، كما تؤثر على موعد الإزهار والنضج ، وينخفض معدل نمو أوراق محصول الشعير بشكل سريع عند حصول زيادة مفاجئة في ملوحة التربة
ولقد أشار العديد من الباحثين إلى آليات تحمل الملوحة عند الشعير والقمح ، ووجد عند دراستهم لمحتوى أنسجة المجموع الخضري والمجموع الجذري للشعير من الأيونات المختلفة أن الشعير البري يراكم كمية أقل من الصوديوم من الوسط الملحي مقارنة مع أنواع الشعير ثنائي الصفHarrington ، كما وجدوا أن الأنواع البرية تحوي مستويات أعلى من الكالسيوم وتتصف بنسبة Na/K أكثر ملائمة. وذكر أن الأنواع البرية للشعير مستوطنة في ترب ذات pH < 8 ، و EC حوالي dS/m 16 ، وتحتوي على تراكيز من أيونات Na+, Mg++ , SO4-- تتراوح بين 100 – 200 (mol/m3) في مستخلص العجينة المشبعة.
تختلف المحاصيل كثيراً فيما بينها في مدى تأثرها بالملوحة ، فالعلامات الأكثر تمييزا للضرر الناجم عن الملوحة هي نقص معدل النمو وانخفاض الإنتاجية . ويمكن أن تتحمل المحاصيل الملوحة إلى بعض المستويات دون يؤدي ذلك إلى خسارة قابلة للقياس في الغلة (العتبة الملحية) ، والمحاصيل الأكثر تحملا للملوحة هي تلك التي تمتلك أعلى مستوى لعتبة الملوحة ، وعندما تكون مستويات الملوحة أكبر من هذه العتبة فان غلة المحصول تنخفض بشكل خطي مع ازدياد الملوحة. ويعتقد أن عتبة الملوحة للشعير في حدود 8 ديسسمنز/م
وتؤثر ملوحة التربة سلباً في النمو النباتي من خلال تخفيض الماء المتاح في التربة ، فارتفاع تركيز الأملاح في المحلول الأرضي يترافق مع ارتفاع الضغط الحلولي لهذا المحلول حسب المعادلة:
الضغط الحلولي (بار) = 0.36 × التوصيل الكهربائي (ديسسمنز/م)
حيث يرتبط امتصاص النبات للماء بالفرق بين الضغط الحلولي في خلاياه الجذرية ، وبين الضغط الحلولي لمحلول التربة ، وعليه فان أي تغير في الضغط الحلولي للمحلول الأرضي سيؤثر على قابلية استفادة النبات من الماء كما أن تراكيز عالية من الأملاح ربما تسبب عرقلة في امتصاص النبات لبعض العناصر المغذية التي يحتاجها . وبالإضافة إلى التأثير في نمو النبات ، فان الملوحة يمكن أن تخفض من نسبة إنبات البذور فكلما زاد تركيز الملح ، انخفضت قدرة البذرة على امتصاص الرطوبة إن انخفاض معدل النمو يعتمد على طول الفترة الزمنية التي تتعرض لها النباتات للظروف الملحية ، ففي فترة قصيرة من التعرض للملوحة يمكن أن يكون الانخفاض في النمو متشابها بين أنواع تتفاوت في تحملها للملوحة وعلى الرغم من ذلك فإن لم يجد اختلافا بين أصناف الشعير عند التعرض لفترات قصيرة من الملوحة. في حين وجد أن الشعير هو الأكثر تحملا للملوحة .
يعد اختيار المحصول المناسب لزراعته في الترب المالحة من أبرز عناصر الإدارة الجيدة للأراضي المالحة. ولقد قسمت محاصيل الحبوب تبعا لدرجة تحملها لتركيز الأملاح الكلية الذائبة في التربة إلى أربع مجموعات احتل الشعير المرتبة الأولى في المحاصيل عالية التحمل للملوحة (8-12 ديسسمنز/م )