انتشر أثر "أزمة الأدب المقارن" لـ(رينيه ويلك) في الوسط النقدي المقارني انتشار النار في الهشيم، علماً أن مفرداتها لم تحمل جديداً يضاف إلى جهود النقاد و المقارنين في زمانه و قبله. فما من باحث تناول مسائل الأدب المقارن إلا أشار تصريحاً أو تلميحاً ــ إلى
ما ناقشه (ويلك) في أزمته.
و لعلّ صفحات هذا البحث تتمكن من الإحاطة بمصادر (ويلك) المعرفية و المنهجية في صياغة النقاط التي طرحها في (أزمته)، معتمدة الاستقراء و الاستنباط وسيلة لذلك، و أداة لإنصاف أصحاب الجهود السابقة بموضوعية و حيادية، قد تؤدي إلى قناعة أكثر ملاءمة لأسس الأدب المقارن و أهدافه.
تشكل الترجمة منزلاً علمياً و فنياً و إجرائياً، يستقبل النصوص الغريبة لغة و ثقافة و حضارة، يسبر أغوارها و يكشف كنوزها و أفكارها المنعتقة فيها، فيروى عطشه بوصفه علماً و غاية، له أسسه و مقوماته و ضروبه و أدواته، و يحاول إرواء غيره عندما يصبح وسيلة و جسر
عبور إلى لغات القوميات و ثقافاتها و حضاراتها و طرائق تفكيرها.
و من هذا المبدأ يلقى عنوان البحث صداه استقراءً، و تحليلاً، و تدقيقاً، و مناقشة، و استنباطاً فيما يتضمنه العنوانان الفرعيان، ماهية الترجمة، و الدراسة الأدبية المقارنة و الترجمة، ليكونا معاً هدف البحث و غايته، استكمالاً للبحوث السابقة، التي يجد المتلقي صداها، تصريحاً أو تلميحاً أو تشابهاً كون الموضوع واحداً.
لم يحظ موضوع تطوير العرب للورق كوسيلة اتصال بالاهتمام الذي يستحقه
عند الباحثين. و في ضوء النظرية التاريخية للاتصال و الإعلام، فإن تطوير وسيلة
اتصال جديدة و استعمالها في مجتمع ما يقود لتحولات اجتماعية و ثقافية و اقتصادية تؤدي بالضرورة إلى تفوق هذا ا
لمجتمع على غيره، و رياديته، و ازدياد منعته. من هذا الأساس، يعمل البحث على دراسة تطوير العرب لصناعة الورق منذ القرن الثامن للميلاد في سمرقند، و الآثار التي ترتبت على إدخاله في الإدارة كوسيلة اتصال جديدة فاعلة حلت محل الرق و القرطاس. أسهم الورق في انتشار المعرفة على نطاق واسع، و قاد ذلك إلى ظهور الكتب الورقية و توافرها، و من ثم ظهور مراكز جامعية. و كان من أثر توسع المعرفة أن أثريت الجلسات التي نظمتها الصفوة بمناقشات فكرية خاضت في أعقد الموضوعات و أوصلت لاحقاً المجتمع إلى عصر ذهبي.