ترغب بنشر مسار تعليمي؟ اضغط هنا

يعد القانون الأوروبي لحقوق الإنسان من بين أعقد القوانين الخاصة بحقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بنوعية الحقوق المضمونة أو بنظام الحماية ،المعد من أجل تكريس ومراقبة تطبيق هذه الحقوق.لذلك قامت دول مجلس أوروبا بتفعيل هذه الحقوق ؛من خلال سن مجموعة لا بأس ب ها من القوانين المكرسة لحقوق الأفراد وحرياتهم وعلى رأس هذه القوانين نجد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وبروتوكولاتها المكملة.زيادة على ذلك نجد بأن دول مجلس أوروبا لم تكتف بسن القوانين، بل كفلت لها جهاز رقابة يسهر على تطبيق هذه الحقوق وضمان احترامها من قبل الدول المتعاقدة وحتى الأفراد.ولم يقتصر دور المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على رقابة مدى تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بل امتد دورها ليشمل وقوفها على الأوضاع الجديدة التي طرأت على الساحة الأوروبية و التي لم تكن منظمة من قبل الاتفاقية ومحاولة تنظيمها وتقنينها . لكن قبل التطرق إلى دراسة هذا الدور المستحدث من قبل المحكمة، لا بد أن نقف على شرح بعض المصطلحات وهذا لكي نسهل عملية فهم هذا البحث.ومن أهم هذه المصطلحات نجد مثلا:القانون الأوروبي لحقوق الإنسان و المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان . يتكون القانون الأوروبي لحقوق الإنسان أساسا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لعام 1950وبروتوكولاتها المكملة؛ بالإضافة إلى مصادر الاستلهام الأخرى والتي تعتبر مكملة كالاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة و غير الإنسانية لعام 1987.وغيرها من الاتفاقيات المبرمة في إطار مجلس أوروبا. أضف إلى ذلك الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد الأوروبي كالميثاق الاجتماعي الأوروبي ، وكذلك الاتفاقية الأولية لحقوق الإنسان ،والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.و الذي يعتبر مصدر استئناسي يعتمد عليها القاضي الأوروبي لتفعيل حماية حقوق الإنسان عن طريق المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.و تعتبر هذه الأخيرة الجهاز القضائي الوحيد المكلف بتطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، وهذا منذ صدور البروتوكول رقم 11 الصادر سنة 1998 الذي قام بإلغاء اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان. حيث تم إنشاء هذه المحكمة سنة 1958 بعد موافق ة 8 دول من مجلس أوروبا على التشكيلة،وحسب التنظيم الداخلي للمحكمة فإن مصطلح المحكمة ينصرف على كل تشكيلات الهيئة القضائية الدولية الجديدة ، التي تتشكل من لجان و3 قضاة 2 وكذلك من غرفة من 7 قضاة ، حيث يتم تعين قاضي مقرر من بين أعضائها 3 ، والغرفة الكبرى التي تتكون من 17 قاضيا تعمل لمدة ثلاث سنوات تضم رئيس المحكمة ونائبا للرئيس ورؤساء المجموعات الأربع،وفي كل قضية ينتخب قاضي باسم الدولة المدعى عليه وتكمل 4 بتسعة قضاة مختارين حسب نظام دوري معقد . تقوم المحكمة من خلال التشكيلات السابقة بتطبيق القانون الأوروبي لحقوق الإنسان ،و تعمل أيضا على تفسير المواد وتطبيقها بشكل يساهم في تطوير وإثراء القانون الأوروبي لحقوق الإنسان.هذا الأمر جعل من القانون الأوروبي لحقوق الإنسان يتميز بالتفرد والتطور الكبير فهو يعتبر أكثر الأنظمة الإقليمية تطورا في مجال حماية حقوق الإنسان.حيث امتد تأثيره ليتعدى حدود مجلس أوروبا ويؤثر على مختلف الهيئات القضائية الدولية .فعلى سبيل المثال يرى الأستاذ"أنطونيو كاسيسي " " Cassasse Antonio " بأن بعض الهيئات القضائية الجنائية 5 الدولية قد أخذت بعين الاعتبار بالاجتهاد القضائي للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان .وفي نفس السياق فإن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أخذت باجتهاد المحكمة الأوروبية 6 لحقوق الإنسان .كما أن هذا التأثير امتد ليشمل هيئات دولية إقليمية كاللجنة الإفريقية لحقوق 7 الإنسان والشعوب ،أضف إلى ذلك حضور الاجتهاد القضائي للمحكمة في عمل الوكالات 8 الدولية المتخصصة هذا من جهة،ومن جهة أخرى نجد النفوذ الذي تتمتع به معظم دول أوروبا في العالم والذي نراه مجسدا في أعلى الهيئات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن.حيث أن ثلاثة أعضاء من بين الخمسة الدائمين هم دول من مجلس أوروبا ،والذين يمثلون كل من فرنسا و بريطانيا وروسيا وهي في نفس الوقت أعضاء في الاتفاقية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.زيادة على ذلك تبوء كل من هذه الدول للزعامة في مستعمراتها، فبريطانيا مثلا لا تزال محافظة على نفوذها في مستعمراتها وسيطرتها على دول الكومنولث، وفرنسا نجدها على رأس منظمة الدول الفرانكفونية أما روسيا فتأثيرها يمتد إلى كل المعسكر الاشتراكي سابقا.الأمر الذي يعني أن تأثير هذه الدول كبير جد و ا يظهر هذا جليا في محاولتها لصياغة بعض مفاهيم حقوق الإنسان وفرضها على العالم الثالث بحجة التمدن والتحضر . وبما أن القانون الأوروبي يلقى هذا الاحترام والتقدير والنفوذ في العالم ؛ فالجدير بنا الوقوف على العوامل المساعدة على تطوره والتي من أهمها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي كان لها دور كبير في تطويره. وبالتالي فإن نطاق دراسة هذا الموضوع يكون على النحو التالي :فمن حيث الاختصاص الإقليمي سنركز في دراستنا على دول القارة الأوروبية والذين هم أعضاء في مجلس أوروب ،وا أعضاء أيضا في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وكذا في المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ،والتي يبلغ عددها حاليا 47 دولة بعد انضمام آخر دولة وهي صربيا .بالإضافة إلى مناقشة بعض القضايا التي يفرضها واجب الانتماء للوطن العربي والإسلامي ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الجرائم الفرنسية ف ي الجزائر بين 1945الى غاية 1962.وكذلك قضية قصف تركيا لبعض مواقع الأكراد في العراق واستهدافها لبعض العراقيين أحيانا . أما الاختصاص الزماني فيبدأ من يوم إبرام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ودخولها حيز التنفيذ سنة 1950 إلى يومنا هذا ،طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار تاريخ تصديق كل دولة على الاتفاقية وقبولها للاختصاص الإلزامي لمحكمة ستراسبورغ . أما من حيث الاختصاص الموضوعي سنركز في دراستنا على الحقوق والحريات الواردة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وبروتوكولاتها المكملة، وعليه نطرح الإشكالية التالية: ما مدى مساهمة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في تطوير القانون الأوروبي لحقوق الإنسان؟وما هي الأساليب التي اعتمدتها من أجل تكريس هذا التطوير؟
mircosoft-partner

هل ترغب بارسال اشعارات عن اخر التحديثات في شمرا-اكاديميا